عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. أحسب أنه ضمن هذا النسق من الأفكار والآراء التي استعرضتها آنفاً، ينبغي الإشارة إلى الأخطار الكامنة وراء استمرار بعض الصحافيين في توظيف القوالب الجاهزة، بدون وعي، وبلا تبصر، الأمر الذي قد يوحي للقارئ، أو المستمع، بأنه أمام لغة جامدة، فاقدة للحيوية والابتكار والتجديد. وفي ذلك يقول الإعلامي الفرنسي فيليب غايار: "إن الخاصية الأساسية للكتابة الصحافية هي سلامة اللغة". ويُعدد بعض ملامح هذه السلامة في الكتابة الإملائية الصحيحة، ومعرفة تطبيق قواعد الصرف والنحو، وحُسن اختيار المفردات، والتنقيط المناسب. ويرى كل من كورتيس ماكدوغال والفريد كرويل، أن من أهم سمات الكتابة الصحافية، هو: إيجاز الجملة والفقرات، والجمل المباشرة، والأفعال والأسماء القوية، والاستعمال الصحيح لقواعد اللغة. مما لا ريب فيه، إن دعوة الكُتاب المرموقين إلى احترام قواعد الكتابة (النحوية والصرفية) السليمة، تؤكد بأن من الخطر المحدق باللغات، الكتابات الصحافية التي تتم في غالب الأحيان خارج القواعد الصحيحة للغة، مما يغرس في المتلقين روح عدم التقيد بالكتابة السليمة، وازدراء قيودها. وتطرق برنار فوريان في كتابه "الصحافة في المجتمع الحديث" الى سلطة اللغة الإعلامية على قرائها قائلاً: ".. فالصحيفة التي تلتزم بمبدأ التنازل للقراء، وصولاً إلى اجتذابهم، وتداول المواد الإعلامية دون كبير عناءٍ، لا يمكنها أن تغفل حقها في فرض بعض المواقف الإنشائية والأسلوبية والموضوعية الضرورية، حتى ولو أدى ذلك إلى تنفير بعض القراء وامتعاضهم". واللغة العربية - اليوم - في أمس الحاجة إلى هذا الصنف من الصحافيين الذين يرتقون بأسلوب كتاباتهم الصحافية إلى المستوى الذي يساهم في تطوير كتابات القراء، ويعزز أساليبهم، وينميها، وفق الأصول الصحيحة لكتابة اللغة العربية. وتنوع كتب الأسلوب واختلافها يشي بحكمة وهي أنه ليس على الصياغة حكم. فالصياغة الصحافية في النهاية اجتهادات ومدارس، تسعى لتطوير اللغة، وفي سعيها هذا، تجد وتجتهد وتبرز من القواميس ونماذج الكتابة الشهيرة والقوية ما يؤيد وجهة نظرها. وتستهل مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، كتاب الأسلوب الخاص بها، لتوضح منهجها في الكتابة قائلة: "وضوح الكتابة يأتي عادة بسبب وضوح التفكير، لذا فكر فيما تريد أن تكتبه، ثم اكتبه بأبسط طريقة ممكنة". وتنصح "الإيكونوميست" أن يضع المرء في ذهنه القواعد الذهبية للكتابة التي صاغها جورج أورويل في مقالٍ أصدره عام 1946 والموسوم ب"السياسة واللغة الإنجليزية". ومن هذه القواعد الذهبية لأورويل: – لا تستخدم أبداً الاستعارة (Metaphor) أو التشبية (simile) أو أي صيغة بلاغية أخرى اعتدت أن تراها مكتوبة. - لا تستخدم أبداً كلمة طويلة عندما يمكنك استخدام كلمة أخرى قصيرة لها المعنى نفسه. - إذا أمكنك الاستغناء عن كلمة، استغن عنها. - لا تستخدم أبداً صيغة المبني للمجهول، عندما يمكنك استخدام المبني للمعلوم. – لا تستخدم أبداً عبارة أجنبية أو كلمة علمية أو كلمة متخصصة، إن أمكنك التفكير بكلمة أخرى شائعة نظيرة لها. وفي ما يتعلق بتجنب الكليشيه، تجمع كتب الأسلوب بالغة الإنجليزية على أنه ينبغي للصحافي بالضرورة أن يتجنب الكليشيه. ويعرف مجمع اللغة العربية الكليشيه بأنه "عبارة شائعة فقدت من فرط الاستعمال والتداول كثيراً من حيويتها وطرافتها وقدرتها على الإثارة"، كأن يُقال مثلاً: "أكل الدهر عليها وشرب"، وفي بعض الحوارات الصحافية "بوح خاص"، في مقام أمر لا يحتمل المزيد، وقول الشاعر العربي عمر بن أبي ربيعة: قالت الصغرى وقد تيمتها قد عرفناه وهل يخفى القمر للدلالة على شهرة المتحدث عنه أو المشار إليه. (المصدر: مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرها المجمع، المجلد 42، 2002 ص 121). وهناك تعبيرات أخرى ذكر منها فاروق شوشة في كتابه "لغتنا الجميلة" قول الشاعر العربي أبي ذؤيب الهزلي: واذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع ويقول فاروق شوشة إن هذا التعبير- وغيره كثير- شاع لدى الأقدمين بسبب بلاغته، لكنه وبفرط استعماله أُبتذل، وبات علامة على ضعف وفقر الحصيلة اللغوية. وفي كتاب أسلوب هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" (BBC)، نجد تحذيراً من استخدام الكليشيه، في مقابل الحض على كتابة لغة تقريرية. ويضرب الكتاب أمثلة على هذه الكليشيهات (معظمها دخل العربية عن طريق الترجمة)، مثل: "يطرح علامة استفهام" (A Question Mark Hangs Over)، أو "هدوء مشوب بحذر" (Quiet But Tense) أو "خلاصة القول"(Bottom Line) . أما كتاب الأسلوب في مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، يعترف بأن الجميع يستخدم الكليشيهات، لكنه يحذر منها. ويقول إنه وإن كان لا مفر من استخدام الكليشيه فبقدر المعقول. ويقول أيضاً إن العبارة تتحول إلى كليشيه لأنها تؤدي وظيفتها في التعبير بشكلٍ معقولٍ في البداية، لكنها تستحيل في ما بعد إلى عبارة مُبتذلة من فرط شيوع استخدامها.