عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. الاصنام الذهنية والذاكرة الأزلية فرانسيس بيكون هذا الفيلسوف الانجليزي الاستقرائي عرف كيف يحدد أخطاء العقل البشري في أوهام القبيلة عند الانسان في الاماني والتعميم واوهام الكهف نتيجة التربية و التنشئة الاجتماعية والثقافية واوهام السوق في الانبهار بالالفاظ وفكرة سجن اللغة وأوهام المسرح في المعتقدات الراسخة والمبادي المغلوطة. في نظر فرانسيس بيكون كل هذه الاوهام من انتاج عقل القرون الوسطى وفلسفة اورسطو بالتحديد لذلك كان كل همه ازالة افكار ارسطو بما فيها الاستقراء الارسطوي الذي قد بلغ منتهاه. الغريب في العالم العربي نجد عالم الاجتماع العراقي علي الوردي يهاجم سيطرة العقل الارسطو افلاطوني على العقل العربي والاسلامي ويحاول تفكيك أخطاء العقل من اوهامه التي قد تحدث عنها فرانسيس بيكون. وسيطرة العقل الارسطو افلاطوني على الساحة العربية والاسلامية لم ينتج منه إلا خطاب الاسلاميين في انغلاقه وخطاب الهويات القاتلة. لذلك قد حورب علي الوردي من قبل الاسلاميين والقوميين والشيوعيين والنتيجة اليوم على الساحة العربية والاسلامية في زمن القتل على الهوية الحوجة الماسة لعبقرية علي الوردي. أما داريوش شايغان الفيلسوف الفرنسي الايراني صاحب كتاب الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية قد أيقن أن النور يأتي من الغرب من حضارة واحدة وهي الحضارة الغربية بعد ان كان مع مجموعة الهيدغريين الايرانيين والخوف من فكرة وباء الغرب في مقاومة وهم فكرة الاستلاب الحضاري. ونجده أي داريوش شايغان ينتقد بشدة أفكار علي شريعتي في أدلجة الاسلام كما فعل حسن حنفي ايضا فعله في أدلجة الاسلام التي تشبه فكرة لاهوت التحرير كهوية دينية. داريوش شايغان أيقن أن العقل التقني في الحضارة الغربية قد هزم العقل التأملي للحضارات التقليدية وهي الحضارة الهندية والحضارة الصينية والحضارة الاسلامية في اعتمادها على سحر العالم الذي قد زال. وزوال سحر العالم قد أفسح المجال لنسق العالم الحديث المنبثق من فكر فلسفة الأنوار وفكر فلسفة الأنوار هي نظرية التقدم وانتقال البشرية وفق خط غائي تفاضلي من نسق قديم الي تحقيق رقي الانسان وسموه كما يقال. وقد أصبحت الحداثة كأنها مفروضة على البشرية كلها. فالحضارة اليوم واحدة والنور يأتي من الغرب كما يقول داريوش شايغان. المتابعون لجهود شايغان تبين لهم ان شايغان عبر الوعي النقدي نهض لتفكيك الأصنام الذهنية لذلك تخلص من النواح الذي يبعثه الحنين الى الماضي وأدلجة الموروث وهذا ما وقع فيه حسن حنفي. فداريوش شايغان قد أدرك أن الحداثة قد قضت على قداسة المقدس وجلالة السلطة. فعندما يودلج الدين يكون قد تعرض لكل الآفات. لذلك نجد التشنج في خطاب الاسلاميين نتاج صدمة الحداثة ومن نتاج الحداثة زوال سحر العالم الذي قد تحدث عنه مارسيل غوشيه واستلف داريوش شايغان فكرة زوال سحر العالم من افكاره. ونفس فكرة زوال سحر العالم بسبب صدمة الحداثة نجدها في فكر مارتن هيدغر في أن العدم هو ثمرة الحداثة. ومارتن هيدغر نفسه يؤكد ان الفكر الارسطوافلاطون أساس المشكل الذي قد حاول فرانسيس بيكون ازالته وهو منطق علي الوردي في نقد العقل العربي الاسلامي. عصر الحداثة يستمد قيمته من التطلع الى المستقبل ولا يستمد قيمة من الماضي الغابر كما يفعل الاسلاميين في خطابهم المتشنج. وتطلع الحداثة للمستقبل ينعكس على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لذلك يرى محمد سبيلا أن انتقال المجتمعات التقليدية في الغالب نحو الحداثة يكون انتقال عسير مليئ بالصدمات الكسمولوجية والجراح البيولوجية والخدوش السايكولوجية والتمزقات العقلية لأنه يمر عبر قناة النار أي عبر مطهر العقل الحديث والنقد الحديث. وهنا يبرز المنهج التاريخي لمحمد أركون في نظرته للعقل في تمرحله اللا نهائي عبر التاريخ عكس العقل الاسلامي الذي يحاول أن يكون خارج التاريخ بل يريد محاكمة التاريخ عبر الايمان والتقديس والتبجيل. وقد أوضح أن العقل الدوغمائي قد أغلق ما كان مفتوح ومنفتح وحول ما كان يمكن التفكير فيه الى ما لا يمكن التفكير فيه. محمد أركون في الفكر الأصولي واستحالة التأصيل أراد أن ينقد بوضوح كما قال مفهوم الأصل وعملية التأصيل أو بالأحرى الادعاء لامكانية التأصيل لفكرة ما:دينية ام علمية أم فلسفية أم أخلاقية أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية. ويضيف الدارسون لمجهود محمد أركون لتوضيح نقد محمد أركون للفكر الأصولي واستحالة التأصيل اجتهادات هاشم صالح لتوضيح مقصود محمد أركون في قوله أن محمد أركون يقصد أنه لا توجد أصول دائمة وأبدية إنما هناك أصول متغيرة بتغير العصور لكي تتناسب مع المستجدات وبالتالي التأسيس النهائي للحقيقة والعقل شئ مستحيل لأن الحقيقة أصبحت نسبية ولم تعد مطلقة وأبدية كما يتوهم الأصوليون من كل الأنواع والأجناس. محمد أركون في فكره يفرق بين الحداثة وخيانة أوروبا للتنوير عكس ادورد سعيد في كتابه الاستشراق فقد أصبح سلاح فتاك في أيدي الأصوليين ومحاربتهم للغرب بعزم الهوية الدينية. ولم يك ادورد سعيد وحده الذي لم يفرق بين الحداثة وخيانة اوروبا للتنوير لأن ادورد سعيد قد اعتمد على أفكار ميشيل فوكو في نقد عقل التنوير وأفكار فرانز فانون وحتى أفكار جان بول سارتر في فكرة الإلتزام الأدبي الذي يضيف للواقع ما ليس فيه أيام دفاعه عن الشيوعية. عكس أفكار ادورد سعيد في كتابه الاستشراق التي هيجت الأصوليين على بحثهم عن هوية دينية نجد محمد أركون يرى أن فكرة الدفاع عن الهوية الذي هيجه الاستعمار كان سبب في طرح خطاب الهوية الذي أصبح مانعا كبيرا في وجه المجتمعات العربية وأصبح أيدولوجيات قد صارت عائقا أمام المجتمعات العربية والاسلامية في انتقالها الى الحداثة. وأصبحت الحداثة كخصم يجب محاربته كما حورب الاستعمار. وقد شملت القطيعة حتى التنمية الاقتصادية كعلوم غربية يجب محاربتها. لذلك يمكننا القول أن طرح فكرة الهوية في السودان كان ضد الحداثة وضد التنمية وضد الحرية في زمن انشغل فيه الضمير العالمي بفكرة الحرية وليست الهوية. وطرح فكرة الهوية في السودان قد سهل قبول خطاب الاسلاميين المنغلق وسط نخب يسيطر عليها فكر تلاميذ عبد الله الطيب في وقوفهم بجانب التراث والدين والأمه كما كان يردد الدكتور عبد الله الطيب وكذلك تلاميذ يوسف فضل أمثال عبد الله علي ابراهيم وحسن مكي في سحبهم للعقل والحرية داخل سياج الأيدولوجية بمنهج عبد الله علي ابراهيم الفلكلوري الذي يجعله يطالب بتطبيق الشريعة الاسلامية. لذلك يمر السودان تحت نير خطاب الاسلاميين المنغلق منذ ما يقارب الثلاثة عقود بقناة النار وفي انتظار المرور بمطهر العقل الحديث والنقد الحديث. على المدى الطويل تكسب العلمانية كثمرة لعقل الأنوار فلا ديمقراطية بلا علمانية ولا حرية بلا علمانية. فالحداثة قد أصبحت الماضي الروحي للانسانية الحالية. نجد أن فكرة محمد أركون في الفكر الأصولي وإستحالة التأصيل تتطابق مع فكرة داريوش شايغان وفكرة أن الحداثة قد قضت على قداسة المقدس وجلالة السلطة وأن الحضارة الاسلامية في بحثها عن الهوية الدينية ماهو إلا تشنج ناتج من صدمة الحداثة لأن الحضارة الإسلامية لم تشترك في صناعة عرس الحداثة مثلها مثل الحضارات التقليدية الأخرى أي الهندية والصينية منذ القرن السابع عشر قد أدركت الحضارات التقليدية عجزها عن القدرة في إعطاء الوعد للإنسانية في زمن قد أصبح فيه العدم ثمرة الحداثة كما يقول مارتن هيدغر. ففي ظل زوال قداسة المقدس وجلالة السلطة وصعوبة المهمة للفكر الأصولي وإستحالة التأصيل كانت جهود محمد أركون بمنهجه التاريخي في البحث عن النزعة الإنسانية في الفلسفة والآداب الإسلامية وتأتي صعوبة المهمة لمحمد أركون بسبب قطيعة الفكر الإسلامي مع الحداثة وكذلك قطيعته أي الماضي الإسلامي مع نزعته الإنسانية. فالحركة الإسلامية السودانية تعاني من قطيعتين قطيعة مع الحداثة وقطيعة مع النزعة الإنسانية في الفكر الإسلامي فعقلها الأزلي الأبدي لا يتناسب مع عقل المنهج التاريخي. على المدى الطويل سينتهي خطاب الحركة الإسلامية المنغلق في السودان وسينتهي المنهج الفلكلوري في فكر مدرسة الخرطوم وأدب الغابة والصحراء وأبادماك وسيختفي فكر الهويات القاتلة كنتيجة للمنهج الفلكلوري في الغابة والصحراء وأبادماك. فعقل المنهج التاريخي يفسح المجال للفرد والعقل والحرية ولا يتح الفرصة لأي أيدولوجية لسحب العقل والحرية داخل سياجها. تاريخ البحر الأبيض المتوسط يوضح عقل المنهج التاريخي لذلك نجد محمد أركون معجب بفكر طه حسين في النقد الحضاري وكذلك فكر استاذ الجيل أحمد لطفي السيد وحتى نجيب محفوظ في إعتقادهم أن تاريخ مصر أقرب لتاريخ البحر الأبيض المتوسط من تاريخ العالم العربي والإسلامي. فتاريخ مصر ذو الصبغة الواضحة لتاريخ البحر الأبيض المتوسط في فكر أحمد لطفي السيد وطه حسين ونجيب محفوظ قد أنقذ مصر من كابوس الحركة الإسلامية فقد حكمت لعام واحد وبعدها أدرك المصريون أن عقل الحركة الإسلامية يتعارض مع عقل المنهج التاريخي عكس المنهج الفلكلوري في خطاب الغابة والصحراء وأبادماك فقد ساعد في قبول الحركة الإسلامية في السودان كهوية دينية. ففي ظل المنهج الفلكلوري في الغابة والصحراء وابادماك ومدرسة الخرطوم إزدهر فكر الحركة الإسلامية والشيوعية كفكر لا يفضي إلا الى أبشع أنواع النظم الشمولية وكذلك قد سيطر فكر الطائفية في أحزاب قد أقعدت عقل المنهج التاريخي في السودان. وفي الختام يظل منهج الأستاذ محمود محد طه منهج إستقرائي يجبرك على إحترامه ويضعه بجانب فرانسيس بيكون بمذهبه الإستقرائي الذي يصارع الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية.