تابعنا بالأمس واحدة من أمتع مباريات كرة القدم بين الكاميرونوغانا. لم يخيب الكاميرونيون ظني. فقد توقعت أن يبلغوا المباراة النهائية. ظللت أراهن أصدقائي على أن الكاميرونيين سيبلغون النهائي، وفي هذه الحالة لن تظفر مصر بلقب جديد. إما إن حدث ما لا أتوقعه وفازت غانا فقد يتمكن المصريون من تحقيق اللقب. وبالفعل كانوا رجالاً بالأمس وحققوا الفوز على غانا. وأتوقع أن يفوزا على المصريين يوم بعد غد أيضاً. أكثر ما لفت نظري في منتخب الكاميرون أنه فريق شاب بمعنى الكلمة. غالبية المتألقين فيه لم يتعد الواحد منهم 21 عاماً. وهذا ما جعلني أفكر في حالنا وأقارن بيننا وبينهم. ولك أن تقارن أنت معي عزيزي القارئ وتتذكر مبررات مجالس إداراتنا الواهية وفهمنا الغريب العجيب. فصاحب ال 18 أو 19 عاماً عندنا صغير يحتاج لأن يعيره ناديه الكبير إلى أندية أقاليم أصغر بزعم أنه يحتاج لمزيد من الاحتكاك. بينما عندهم نجد صاحب نفس الفئة العمرية قد احترف في أحد الأندية الأوروبية وتم اختياره لتمثيل منتخب بلاده. حارس الكاميرون الرائع عمره أقل من 21 عاماً وقد رأيتم جميعاً تألقه وثباته وثقته العالية في إمكانياته. أما هنا في سوداننا الحبيب فتجدون حارساً مثل جمعة قد صار صديقاً دائماً للدكة في وجود حارس أجنبي لا ننكر قدراته الكبيرة، لكن أليس من واجب أجهزتنا الفنية أن تمنح الإحتياطيين فرصتهم؟! وإن لم يجد اللاعب فرصته في مثل هذا العمر فمتى يجدها؟! ولمن يتوهمون أن احتجاجنا الشديد على إعارة اللاعب الثعلب لنادي الفيحاء السعودي يأتي بسبب كراهية في المجلس ورئيسه، أذكر بأنني كثيراً ما تناولت مفهوم الإعارة الذي تستخدمه أنديتنا بأسوأ الصور. فليست هذه المرة الأولى التي يعيرون فيها لاعباً. سبق أن صادق اللاعب الموهوب النعيم الدكة في الهلال وفي نهاية الأمر قرروا إعارته فقلنا أنه تفكير خاطيء. وبعد النعيم وقبله مر على الهلال لاعبون صغار كثر لم يجدوا فرصهم في اللعب بنفس المبرر الضعيف وغير المقنع. وفي كل مرة كنا نقول أن الاحتكاك مطلوب والخبرة لا تتكون إلا من خلال اللعب وليس عبر مصادقة دكة البدلاء طوال الموسم. ولا أتفق مع من يرون أن الحل في الإعارة إطلاقاً. فلاعب في عمر الثعلب وإمكانياته لو شارك في ناديه الهلال في مباريات محلية أكثر لانصقلت موهبته وتعززت ثقته في نفسه وأصبح جاهزاً لأعتى المباريات. لكنهم في كل مرة يبعدون الشباب بمثل هذه المبررات الواهية، وما علينا إلا أن نصدق بكل غباء ونسوق لفكرتهم. أي كلام عن حاجة الثعلب أكثر من غيره للإعارة باعتباره موهبة مردود على أصحابه. وإن فكرنا ونظرنا للأمر بواقعية سنجد أن الهلال ليس برشلونة ولا ريال مدريد. فهو، أي الهلال لا يلعب في الدوري الإسباني ولا الإنجليزي حتى نقول أنه من الضروري أن يُعار لاعبه الصغير حتى يقوى عوده أكثر. بإمكان أي لاعب صغير في الهلال أن يقوي عوده من خلال اللعب أمام أندية دورينا الممتاز الأقل إمكانيات واستعداد عن الهلال. وحتى برشلونة وريال مدريد نفسيهما يضمان عدداً من اللاعبين الصغار لمن لا يعلمون. الإعارة ليست الحل الوحيد لصقل اللاعب الصغير وتوفير فرص الإحتكاك له. فكفانا قتلاً للمواهب بدعاوى فارغة. ولمن يقارنون حال الثعلب ببعض لاعبي الأندية الكبيرة التي تتم إعارتهم، أقول أن الإعارة هناك تتم لظروف معينة تتعلق باللاعب، لا بسبب عمره فقط. فبين لاعبي برشلونة الأساسيين من هم في عمر الثعلب. وقد صاروا أساسيين لأنهم وجدوا فرص المشاركة، لا عن طريق الإعارة. الأمر لم يبدأ بالثعلب وليس ينتهي به، ولهذا نعيد ونكرر لأن حالات الإعارة تتكرر كثيراً وبها تُدفن العديد من المواهب التي كان من الممكن أن تساهم في إنطلاقة كرة القدم السودانية. لا يعقل أن نصدق في كل مبررة المزاعم ونقنع أنفسنا بمبررات لا تقنع. أمامكم الكثير من اللاعبين الصغار حالياً وبهذه الطريقة لن تشاهدوا أياً منهم أساسياً في الهلال. فمن يعيرون صهيباً بمثل هذه المبررات لا نشك في أنهم لن يمنحوا بشة الصغير، ولاء الدين، وليد علاء الدين وغيرهم فرص الإحتكاك اللازمة. لذلك لن نمل أو نصمت تجاه مثل هذه الممارسات الخاطئة لأننا نتعشم في إن ينصلح حال الكرة في البلد. ولن ينصلح حال الكرة في البلد فقط من خلال استجلاب ثلاثة أو أربعة محترفين أجانب في الهلال ومثلهم في المريخ وأكثر أو أقل في الأندية الأخرى. المحترفون الأجانب يمكن أن يساعدوا في تحقيق النتائج السريعة. ومن الممكن أن يستفيد لاعبونا المحلييين من الاحتكاك معهم، هذا إن كان بيننا محترفون حقيقيون يمكن أن يفيدوا ويستفيدوا. لكن الواقع السوداني يقول أن غالبية المحترفين الأجانب الذين تستجلبهم أنديتنا لا يفيدون لاعبينا المحليين كثيراً. بل أن بعضهم يأتي بالقليل من الفكرة الاحترافي وعندما يجد الأمور عندنا سائبة تجده قد أصبح لاعباً محلياً كامل الدسم من ناحية السلوك. فهو يتوقف عن التدريبات الجادة والمستمرة ويكتفي فقط بالتمرين الجماعي مع الفريق. وهو يساهر ويكثر من الخروج ويتعامل كلاعب هاوِ رغم أنه ينال راتباً دولارياً كبيراً. إذاً ما يمكن أن نحققه من المحترفين الأجانب بوضعنا الحالي هو النتائج السريعة فقط. وباستمرار مثل هذا الوضع لن تساهم الأندية الكبيرة في نهضة منشودة لكرة القدم السودانية. فلا تضحكوا على أنفسكم وترددوا كلاماً من شاكلة " الهلال نادِ كبير يقوم بدوره في تطور الكرة وتصحيح الممارسات الخاطئة" أو " المريخ زعيم الكرة في البلد". تطور الكرة يحتاج لبعض الصبر وتحقيق المزيج الجيد بين اللاعبين الخبرة والمواهب الصغيرة حتى تتحقق الفائدة وتتراكم خبرات هؤلاء الصغار مع مرور السنوات. فهل ترون الصورة بهذا الشكل حتى نصدق أن فلاناً قد أُعير لمزيد من الاحتكاك واكتساب الخبرات؟! لا أظن. أعيدوا النظر لمنتخب الكاميرون الشاب لتعرفوا حجم الوهم الذي يعيش فيه بعضنا.