يتصف الشيوعيون السوادنيون بعدم ثقتهم فى الآخرين، وتشككهم في كل ما يبدر من الآخر، وذلك بفرضية أن لديهم أجندة خفية، والشيوعيون دائماً ما يتوجسون خيفة من الأمن والقوانين الأمنية، بحجة أنها تستهدفهم دون الآخرين، وأنها تفصل لتكون على مقاسهم، وليس بعيداً عن الأذهان بُعيد سقوط نظام مايو مطالبتهم بحل جهاز الأمن ونعته باقبح النعوت، وبالفعل تم لهم مافى مرادهم دون تمهل أو دراسة مما أدخل البلاد فى فراغ أمني واضح، ومن أمثلة تشككهم في نوايا الآخرين أنهم كانوا يلّحون على المجلس العسكري (1985- 1986) برئاسة الفريق سوار الذهب بقيام الانتخابات في مواعيدها أي بعد عام فقط من استلام الجيش للسلطة بعد سقوط نميري، والشاهد في الأمر أن الشيوعيين كانوا يتخوفون من استمرار العسكر في الحكم وعدم إيفائهم بوعدهم وتسليم السلطة للشعب، الأمر الذي جعل المتعاطفين مع الحزب من ديقراطيين وغيرهم يقودون الانتخابات لأن العضوية الحقيقية للحزب كانت قليلة، وذلك يرجع للمواجهات الشرسة التى قادها نظام نميري ضد الحزب الشيوعي من تشريد وتقتيل وسجن، فعندما انتصرت انتفاضة (رجب – أبريل) كان الحزب الشيوعي يبدو هزيلا وضعيفاً ومثخناً بالجروح، والنتيجة أنه فاز بثلاثة مقاعد فقط شغلها السكرتير العام للحزب الأستاذ محمد إبراهيم نقد، والدكتور عز الدين علي عامر، وجوزيف موديستو، وحتى دوائر الخريجين التى كان يراهن عليها الحزب الشيوعي باعتباره حزب الطبقة العاملة والمستنيرة فشل في أن ينال مقعداً واحداً فيها، واستحوذت عليها الجبهة الإسلامية، وقد تباكى الحزب الشيوعي فيما بعد وتمنى لو تريث قليلاً وتخلى عن مطالبته قيام الانتخابات فى مواعيدها حتى ينظم صفوفه، وقد برر فشله فى الانتخابات متهماً المجلس العسكري ومجلس الوزراء بتفصيل قوانين الانتخابات على حزب بعينه، وتغاضى النظر عن الأسباب الحقيقية، والتى تلخصت فى أن الذين قادوا له انتخابات (1986) كانوا من صغار السن وقليلي التجربة والخبرة إذ كانت تلك هى المرة الاولى التى يخوضون فيها انتخابات فى حياتهم بسبب صغر سنهم، والأمر الثاني ضعف التمويل إذ لم ترصد ميزانية للانتخابات، وكانوا يعتمدون على التبرعات العشوائية التى تنهال عليهم من محبي الحزب وغيرها من الأسباب. التجربة السياسية فى السودان تقول حكم ديمقراطي يعقبه حكم عسكري وهكذا ولكن تجربة الانقاذ بدأت عسكرياً ثم تحولت بالتدريج نحو الديمقراطية دون حاجة لانتفاضة أو ثورة شعبية ومشروع الانتخابات والذي من المؤمل أن يقوم فى شهر أبريل سيجعل من الحكومة القادمة حكومة شرعية بإرادة الجماهير وليس وفقا للاتفاقيات التي وقعت بين الأطراف السياسية والحركات المسلحة (نيفاشا - القاهرة – أبوجا) وهذا ما يسعى له المؤتمر الوطني وترفضه بقية الأحزاب بحجج مختلفة وواهية. والأستاذ محمد إبراهيم نقد يصرح ويراهن على الشارع ويعلن جاهزيته للسجن أو القبر ونقد يعلم تماماً (لو جات الحارة) أين سيذهب ويعلم الآخرون أنه يجيد فن الاختباء والتنكر، أغلب الشيوعيين نالوا عقابهم من مايو وذاقوا مر التشرد والسجن إلا الأستاذ نقد فقد كان ينعم بالأمان في مخبئه، والتبرير أن الاختباء بأمر اللجنة المركزية للحزب. إذا وصف شخص بأنه متلقي حجج فهذا يعني أنه يحب المراوغة وهذا ما وقع فيه ساستنا، ولكن المثل يقول (الأصبع الواحد ما بغطي الوش) (والبرقص ما بغطي دقنو). على الحزب الشيوعي والأحزاب الأخرى أن لا تضيع وقتها ووقت الآخرين فيما لا يفيد وعليها أن تعد نفسها لخوض انتخابات حرة ونزيهة، وهى تعلم جيداً أنها ستقوم بمراقبتها ومعها منظمات إقليمية عالمية فمن أين يأتي التزوير، وإن كانت تراهن على عدم خوض الحركة الشعبية للانتخابات فقد (سبق السيف العزل) وأعلنت الحركة جاهزيتها لخوض الانتخابات على كافة المستويات، وسيتسم الإعلان عن مرشحيها نهاية هذا الأسبوع. إذن (انتبهوا أيها السادة) واستفيدوا من تجربتكم ولو مرة واحدة في العُمر، وها هي الفرص قد أتتكم إلى مكانكم استثمروها لتبرهنوا مكانتكم وسط الجماهير. سارة جيب الله