ثلاث سنواتٍ مضت على نشرِ هذا التحليل الا أن ما أثاره من نقاط يبدو (طازجاً) مع تواتر التأكيدات بالتورط المصري في نزيفِ جنوب السودان.. نزاع جنوب السودان وسياسات مصر المائية South Sudan Conflict and Egypt's Hydropolitics Biruk Mekonnenبيروك مكونن ترجمة وتلخيص: خالد الطاهر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. مقدمة: كمتابعٍ لصيق للجدل الذي أثاره بناء سد النهضة أُلاحظ، ولازلت، تقصير إعلامنا السوداني عن عكس رُؤى و إِسهامات الصفوة الأثيوبية فيما يخُصُّ هذا الجدل، الأمر الذي حرَّضني على ترجمة وتلخيص هذا المقال كإسهام في تلافي هذا التقصير. كاتب المقال أثيوبي الجنسية ويعمل محللاً للشئون السياسية والأمنية وقد كتبه بإِنجليزيةٍ ناصعة و نشرته صحيفة سودان تريبيون في التاسع من أبريل الماضي. هذه ترجمة و تلخيص بتصرّفٍ راعيت فيه أن يكون محدوداً قدر الإمكان إِذ إنَّ " الترجمةُ تستحيل إذا كان جوهر غايتها القصوى بأن تطابق الأصل" أو كما قال الكاتب الألماني والتر بنيامين. المترجم ********** 1 تسترعى علاقة مصر بجنوبِ السودان إنتباه المراقبين للتطورات الإقليمية للدور البارز الذي يلعبه جنوب السودان في أمن الإقليم على ضوء مصالح مصر المائية و عطفاً على تطورات قضية بناء سد النهضة الأثيوبي. لم يدم السلام النسبي الذي تمتع به جنوب السودان بعد إستقلاله عن السودان طويلاً، فقد نشب صراعٌ دامٍ بين سلفاكير ونائبة رياك مشار في ديسمبر من العام الماضي (2013) وما يزال مستمراً. بالرجوع في الزمنِ قليلاً لِثلاثةِ أعوامٍ خلت ، نجِد إنّ الحكومة المصرية قد إستقبلت حدث إستقلال جنوب السودان بإرتياحٍ خفي لأنها كانت تتوقع إنّ الوضع الجديد سيمكِّنها من إستئناف خطتها لزيادة ما يردها من مياه النيل عن طريق إكمال مشروع قناة جونقلي، إلا أن جنوب السودان أبدى لاحقاً تعاطفه مع دول المنبع التي ترفض بقوة إتفاقيتي مياه النيل الموقعتين في 1929 و1959م، ومضت الدولة الجديدة أكثر من ذلك، حيث أعلنت عن نيتها التوقيع على إتفاقية عنتيبي الإطارية مما أثار غضب المصريين. 2 منحت التطورات الجيوسياسية في أعقاب إنفجار الصراع بين كير ومشار فرصةً ثمينةً للمصريين حيث أن حكومة الرئيس سلفاكير تحاول، وبكل الطرق، أن تستقطب لنفسها الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري حتى تستطيع القضاء على تمرد مشار. وقد عبَّرت حكومة جنوب السودان في أكثر من مناسبة عن عدم رضاها عن موقف دول الإقليم، فحكومة كير لم تنجح في تسويق روايتها للأحداث ك "محاولةٍ للإنقلاب على السلطة الشرعية" وبالتالي حشد دعمها السياسي والعسكري للرئيس كير. بدلاً عن تصديق رواية المحاولة الإنقلابية، فضَّلت كل من كينيا والسودان وأثيوبيا التوسط تحت مظلة الإيقاد للوصول الى حل للمشكلة عن طريق التفاوض، وهذا بالضبط ما إستثمر فيه المصريون حيث أنّهم قاموا بتوقيعِ إتِّفاقيةٍ للتعاون العسكري مع جنوب السودان . و يأتي التقارب مع القاهرة بالنسبةِ الى جوبا في إطار إنتقامها من أثيوبيا لموقِفِ الأخيرةِ من تمرد مشار، أمَّا االقاهرة فإنّ ما يحدث في الدولةِ الوليدة يمثِّل فرصةً لا تُعوّض، فالمصريون في غاية الإهتمام بإحياء مشروع قناة جونقلي وتجفيف السدود وقد عرضوا أن يتم تقاسم المياه التي سيوفرها المشروع، والبالغة 7 مليار متر مكعب، مع جنوب السودان ، بهذه الطريقة تأمل مصر أن تُعزِّز دبلوماسيتها المائية من قدرتها في التأثير على هذه الدولة الجديدة هنالك أيضاً سبب مهم يدفع الحكومة المصرية في إتجاهِ بناء علاقاتٍ متينةٍ مع جوبا في وقتٍ تُعادُ فيه صياغة التحالفات في الإقليم الذي يشهد تغيُّراتٍ مُؤثِّرةٍ في التوازنات الجيوسياسية، فقد أصبح سدُّ النهضة الاثيوبي أمراً واقعاً بالنسبةِ للقاهرة، و الخرطوم تخلت عن حلفها معها و قدَّمت الدعم الدبلوماسي لبناء السد بعد أن خَلُصت هيئة الخبراء الإستشارية الى إِنّ بِنائِهِ لا يؤثر سلباً على دولتي السودان ومصر. فبدعم الرئيس كير عسكرياً يراهن المصريون من جهة على إمكانية تنفيذ قناة جونقلي وحصولهم على مصدرٍ بديلٍ للمياه، ومن جِهةٍ أخرى يراهنون على ممارسة الضغط على أثيوبيا والسودان. وفي نفس الوقت فإن الرئيس سلفاكير في أمس الحاجة الى صفقةٍ مع المصريين حتى ينقذ نظامه من الإنهيار. 3 على إنه من الجديرِ بالملاحظة إنَّ التمرد المسلّح في دارفور، النيل الأزرق ، وجبال النوبة يمثل نقطة الضُعف الرئيسيَّة للحكومة السودانية التي تتهم جنوب السودان بدعمه فيما يعِي المصريون هذه النقطة و قد شرعوا في إستثمارها فعلاً بإبرامهم لإتفاقية التعاون العسكري مع سلفاكير لِلي ذراع الحكومة السودانية ومقايضتها لاحقاً حتى تغير موقفها المساند لبناء سد النهضة. أما بالنسبة لأثيوبيا فتمثل هذه الإتفاقية خطراً جسيماً على مشروع بناء سد النهضة ، إِذ إِنَّ دولتي السودان وجنوب السودان تمثلان أفضل الخيارات لتعطيل بناء السد وزعزعة أمن وإستقرار أثيوبيا - كما درج السياسيون والأكاديميون المصريون على إعلانِ ذلك مراراً - عن طريق عملٍ عسكريٍّ مباشر ينطلق من إحدى الدولتين [ أو إستخدام إحدى الدولتين كمنصةِ إنطلاقٍ لعملياتٍ إستخبارية تستهدفها - المترجم]. ولأن السودان قد أعلن موقفة الداعم لأثيوبيا فلم يتبقَّ للمصريين غير خيار جنوب السودان لزعزعة أمنِ أثيوبيا. 4 ثم ماذا بعد؟ دولة جنوب السودان دولة ذاتُ سيادةٍ يتيح لها القانون الدولي كامل الحق في إبرام إتفاقيات التعاون العسكري مع من تشاء من دول العالم، لكن إتفاقية التعاون العسكري مع جمهورية مصر ينبغي أن تتعامل معها أثيوبيا كمهدِّدٍ أمني إستراتيجي جسيم. فسدُّ النهضة هو أكبر مشاريع التنمية القومية في الدولة فيما يقابله المصريون بكثير من الإنزعاج لذا يستلزم ذلك من أثيوبيا حمايته مهما كان الثمن ويستتبع ذلك أن توجه رسالةً قويَّةً الى دولة جنوب السودان بالكف عن هذا التلاعب الخطير بمصير أثيوبيا كدولةٍ و الأثيوبيِّين كشعب . 5 لا يغيبُ عن بالِ أيّ مراقبٍ للأوضاع في هذا السياق أن مصر تعمل وبلا كللٍ على زعزعة السلام والأمن الأثيوبي بالعديد من الوسائل كإثارة النزاعات بالوكالة ودعم المجموعات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي كحركة الشباب في الصومال لإضعاف دولة أثيوبيا وتعطيل قيام سد النهضة، وكإستخدام أرتريا في مؤامراتها ضد أثيوبيا. ضِف إلى كلِّ ذلك ما دأبت التقارير الصحفيَّة من الإشارة إليه عن رغبة المصريين في التوسط لحلحلة الأزمة القائمة في جنوب السودان بتبنِّي نفس التاكتيك الذي إتَّبعوه في الصومال في العام 1991م حتى يسحبوا البساط من تحت أقدام المبادرة التي تقوم بها أثيوبيا لحل هذه المشكلة. أن توريط المصريين لدولة جنوب السودان في الصراع مع أثيوبيا يعطي الأزمة القائمة بعداً ذي طبيعة إقليمية خطيرة سيكون لها إنعكاساتها السلبية على الأمن والسلام الدوليين. إلا أن أثيوبيا ينبغي عليها توخي الحذر، إذ أن التدخل الدولي في الصراع هو عين ما يسعى إليه المصريون للحؤول دون إكمال مشروع سد النهضة، وعليها أيضاً التعاون مع السودان وكينيا ويوغندا للتعامل مع نهر النيل كأوثق رباطٍ للتنمية المُستدامة والإستقرار في الإقليم و وسيلةٍ لتعضيدِ المصالح المشتركة. 6 وأخيراً يحدونا الأمل أن تتحرر حكومة الرئيس سلفاكير من نظرتها الضيقة إزاء سياسات مصر المائية التي عنوانها الهيمنة على مياه النيل، وعلى الدولة الوليدة أن تمتنع عن إفساح المجال لِقوىً تسعى إلى زعزعةِ الإقليم وبقائه على تخلفه، و سواءٌ أكان قصد المصريين تجفيف منطقة السدود في جنوب السودان أو ردع أثيوبيا، فإنه لا مصلحة لدولةِ جنوب السودان في أييَ من الأمرين.