عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. أزمة الاستثمار في السودان لخصها رئيس جمهورية بلاروسيا حينما قال للمجتمعين معه خلال زيارته للسودان في يناير الماضي "أن الموضوع ليس هو كتابة مذكرة تفاهم لكن القضية أنتم ماذا تريدون.."؟؟ هذا الواقع الذي لخصه حديث لكسندر لوكاشينكو هو حال الحكومة السودانية في واجهاتها الوزارية وبما ان موضوع الاستثمار اكثر فضحا للواقع بحكم الاحتكاك مع الاجنبي الذي يفد الى بلادنا مشحونا بعواطف وتطلعات، فهو يمثل مرآة لرؤوية حقيقتنا حينما يصطدم ويصدمنا بها ذلك الزائر الاجنبي. السودان ليس لديه خطط موضوعة بمؤشرات واضحة وأهداف مدروسة وأزمنة محددة وتنفيذ محاسب. ويُجيء الإستثمار ضمن أهم الواجهات في أزمة الرؤية (أنتم ماذا تُريدوًن). كثير من الدول قفذت إلى آفاق التنمية والنجاح وكان لها ما أرادت، عبر بوابة الاستثمارحلًت مشاكلها، وعبر نجاحات الاستثمار إنتصرت على أزماتها وتحقق لها سلام وأمن وحًد بين مواطنيها رغم تبايًن الأعراق وتعدد السحنات . هل يسبق السلام التنمية أم تحقق التنمية السلام ؟ سؤال أجابت عليه التجربة الماليزية التي يسوقها البعض كأهم تجربة لدول العالم الثالث عندما تحدد ماذا تريد. ماليزيا هذه الدولة المسلمة نجحت في المزج بين اقتصاديات العولمة والاحتفاظ بنهج الاقتصاد الوطني لتتحول خلال فترة قصيرة من بلد يعتمد على تصدير المواد الاولية الى واحدة من أكبر الدول المصدرة للسلع والتقنية الصناعية في منطقة جنوب شرقي آسيا. يقول مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق أن تجربة النهضة في ماليزيا كانت صعبة نظراً لتعدد الأعراق داخل المجتمع الماليزي، ولكن رغم ذلك قرر الجميع أن يضع خلافاته جانباً ويهتم بنهضة ماليزيا. وأضاف أنه رغم وجود العديد من الديانات إلا أن الجميع شارك في التنمية وسياستها وابتعدوا عن الخلافات السياسية، مشيراً إلى أن العمل على تكوين التحالف بين القوى السياسية في ماليزيا من العوامل الأساسية التي أدت إلى نهضتها وكذلك توفير فرص العمل للباحثين عنها والتوجه نحو التصنيع. وأوضح مهاتير محمد في احدي محاضراته عن نهضة ماليزيا أن ماليزيا خصصت الأراضي الزراعية للباحثين عن عمل لاستيعاب العمالة المتكدسة وهو ما ساعد في تحقيق دخل عن طريقها، ولكنه لم يكن كافيا لاستيعاب اليد العاملة، وكان علينا البحث عن حل آخر. أوضح أن الاختيار وقع بعد ذلك على تصنيع "الشرائح الالكترونية" لما تتميز به من استخدام لأيدي عاملة كبيرة، وعلي هذا الأساس تم إعطاء إعفاءات كاملة من الضرائب لهذه الصناعات، التي عمل بها الآلاف، وتم اكتساب المهارات من خلال تلك الصناعات، كالمايكروالكترونيك أو المايكروتشيبس. وأكد أن ماليزيا قدمت إعفاءات ضريبية تصل حتى عشر سنوات، وتم تزويد المناطق المختلفة بالبنية التحتية، والسماح بالاقتراض للمستثمرين الأجانب من البنوك المحلية. اذن من دروس نهضة ماليزيا ان القيادة الحكومية حددت أهدافها نحو النهضة وكتبت على سارية خططها المستقبلية ماذا تريد ..؟ السودان ضاعت منه العديد من الفرص بواقع الزمن لعدم تحديد الأهداف ولخور العزيمة، ظلت خطط التنمية تصاغ ضمن اللفتات الكثيًرة من المؤتمرات والتجمًعات التي تتعاقب وتصيغ الخطط والحلول وتضع التوصيات، وفي النهاية لايتبع ذلك عزيمة تنفيذ لتقبر جهود علماءه، وتكدس أوراق وتوصيات تلك المؤتمرات في بلكونات الوزارات ضمن المهملات. وزارة التعدين في ظل النجاحات التي حققتها كبديل وأمل مرتجى بعد رحيل البترول مع انفصال جنوب السودان، يلقى على عاتقها قيادة ركب التنمية في بلادنا، إذا اتبعت ذلك وفق خطط مدروسة، ورؤى واضحة وسيستم متمرد على الروتين الحكومي. من قبل ظلت وزارة النفط تمثل قبلة للمستثمرين الاجانب الذين يفدون الى بلادنا بهدف الاستثمار في قطاع النفط، الكثيرون منهم حزموا أمتعتهم وغادروا حينما اصطدموا بالواقع مع جهات حكومية غارقة في بيروقراطية ووزراة ليست لها أهداف أوعزيمة لتستفيد من ذلك الكم الهائل من الباحثين عن فرص الاستثمار في ذلك القطاع والذي لا يزال حتى الآن بكرا غير مكتشف. الأمل المرجو من التعدين ينبغي أن تقود به الوزارة قطاعات الشباب الذين تركوا حياة المدن الى الصحارى بحثا عن حبيبات الذهب، ظاهرة معسكرات الذهب تعطي مؤشر هام لما يمكن ان يحققه الشباب عندما يجدوا الاهتمام والآمل ولو في مثقال ذرة تراب. وزير المعادن د.احمد محمد محمد صادق الكاروري قال خلال مقابلة أجراها في تاريخ سابق مع مجلة "فورين افيرز" الامريكية أن اكثر من مليون سوداني يعولون اكثر من (5) مليون فرد يعملون في قطاع التعدين الاهلي وصاروا ينتجون 80% من انتاج البلاد من الذهب. الوزارة وعبر قوانينها الراعية لأهمية القطاع وتعاملها المتوافق مع عناصر التعدين التقليدي نجحت في خلق ذراع وطني يمكن ان تعتمده وتطوره الى غايات كبيرة. نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبدالرحمن خلال اللقاء السنوي الخامس لوزير المعادن بالعاملين في الوزارة والذي خصص لاستعراض حصاد العام 2016 وبشريات العام 2017 إمتدح العمل الذي تقوم به وزارة المعادن في إنتاج واستخراج ثرواث باطن الارض وضخ عائدها في الاقتصاد الوطني، وجاءت إشادة نائب الرئيس في إشارة لذلك الدور الذي تتميز به الوزارة في الجدً والانضباط في العمل. اذن هذه حقيقة والموضوع يتخطى الى غايات أوسع فيما يمكن ان يمثله استغلال القطاع الاهلي وعنصر الشباب اذا وجدوا الرعاية والحافز، ووزارة المعادن يُمًكنها ان تحوًل ظاهرة التنقيب عن الذهب الى ظواهر إيجابية تقتدي بها وزارات أخرى كالزراعة مثلا في توجيه عنصر الشباب نحو تنمية أنفسهم عبر فرص وتسهيلات وحوافز ومن ثم تحقيًق التنمية للسودان. موضوع التنمية والانطلاق بالسودان الى أفاق النجاح، هناك العديد من الوسائل التي يمكن توظيفها وظاهرة هروع الشباب وتروًضهم على الصحارى تحت شمس السودان الحارقة تعطي أهم مؤشر لإمكانية أن نحقق نهضة حقيقية كغيرنا من دول العالم التي سبقتنا في ذلك. من الممكن ان تحقق وزارة المعادن عبرامكانياتها ثورة تنموية ونهضوية للسودان اذا أحسنت استغلال تجربتها، وتوظيف امكانيات الضخمة وامكانيات الشركات التابعة لها بصورة فعالة والعمل علي المتابعة الدقيقة والمحاسبة الناجزة لاي تقصير، واكمال دائرة الشفافية بتمليك الاعلام كافة الحقائق كجهة رقابية على اعمال التعدين بالنسبة للشركات المستثمرة. ولا يكتفى الطموح عند ذلك بل يمكن ان يتسنى لها قيادة ركب الاستثمار في البلاد والانطلاق به الى غايات بعيدة ضمن اهداف الدولة .. هل تنجح وزارة المعادن في رقع قميص الاستثمار بأفكار وخطط وتقود مسيرته للمرحلة القادمة..؟