من الممكن القول ان مجموعة المعتقلين السياسيين السابقين برئاسة الرفيق فقان اموم اوكيج الذين يشكلون جزاءً من القوي السياسية المعارضة في جنوب السودان، قد سجلوا موقفا مشرفاً يضاف الي مواقفهم السياسية السابقة بعد امتناعهم التوقيع علي مقررات اجتماع (انتيبي) الذي استضافه الرئيس الاوغندي موسيفيني اليوم بالقصر الرئاسي الاوغندي بمدينة انتيبي. البيان الختامي صدر ممهوراً بتوقيع كل من الرئيس الاوغندي يويري موسيفيني، جيما نونو كومبا – سكرتير العام بالانابة عن الحركة الشعبية (الحكومة)، ووقع ايزيكيال لول قدكوث عن جناح تعبان دينق، وخلي اسم فقان اموم اوكيج من توقيعه تعبيراً عن امتناع مجموعة المعتقلين السابقين، تحفظاً منهم لمخرجات الاجتماع. ووقع كل من السفير صموئيل لواتي ليمينسوك رئيس بعثة اوغندابجنوب السودان وبيتيى بيقومبي المستشار الفني للحكومة الاوغندية كشهود. ومن الناحية العملية فان المبادرة التي اطلقها الرئيس الاوغندي مات قبل ان ينعقد بعد ان تعمد المنظمون اقصاء الحركة الشعبية (في المعارضة) بقيادة الدكتور ريك مشار تينج واستبداله بجناح تعبان دينق قاي الذي انصهر داخل الحركة الشعبية (في الحكومة) ليشكلان تحالف سياسي منذ يوليو 2016 هدفهما ابعاد مشار من الساحة السياسية لا اكثر ولا اقل. ومن البديهي ان يتبني الرئيس موسيفيني هذا الموقف الغامض ويحاول الاصطياد في المياه العكرة باقناع مجموعة المعتقلين السياسيين بالانضمام لهذه الخدعة من اجل تفتيت مشروع الوحدة السياسية التي تسعي اليها كل القوي السياسية في الوقت الراهن لمجابهة النظام الحاكم بيد واحد وموقف موحد. ثاني اخطاء هذا الاجتماع هو عدم اختيار الاجندات الواضحة له، لان عملية توحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان هي مهمة انجزت منذ العامين الماضيين في 21 يناير 2015 بمدينة اروشا التنزانية بعد توقيع الاطراف الثلاث علي عقد سياسي عرف حينها باتفاقية اروشا، وقع من جانب الحركة الشعبية (الحكومة) الجنرال سلفاكير ميارديت، ومن جانب الحركة الشعبية (المعارضة) الدكتور ريك مشار تينج، فيما وقع لقيادات الحركة الشعبية (المعتقلين) الاستاذ دينق الور كوال. ولم يبق لهذا الاجماع الحزبي الا التنفيذ. وما يثير الشكوك اكثر في اجتماع انتيبي اليوم هو نتائجه التي لخصت في نقطتين فقط، هما: 1- بان يتم تكوين لجنة عمل تكون مهمتها: (أ) وضع خارطة طريق لتنفيذ اتفاقية اروشا. (ب) انهاء الحرب والتخطيط للسلام. فاذا امعنت النظر في هذه النقاط تجد ان كيفية اختزال المجتمعون حجم هذه الحرب في شكل بالونة صغيرة يعتقدون بانه باستطاع لجنة عمل صغير فرقعتها في اي وقت. ولم يتثني لهم القدرة علي اكتشاف الحقيقة الناصعة بان ما يسمي بوحدة الحركة الشعبية اصبحت حدثا تجاوزته الاحداث السياسية الراهنة. بطبيعة الحال، فان الازمة السياسية التي نعيشها اليوم هي نتاج فقر حضاري في مجتمع جنوب السودان علي مر العقود، ورغم اننا نتباهي بحضارات سابقة في تاريخ السودان كحضارة كوش علي سبيل المثال وليس الحصر، فان تاريخ جنوب السودان الحديث كما هو المعاصر لم يشهد حضارة بمعناها المتعارف عليها. ولذا غاب عنا تقاليد الممارسات السياسية وسيطرت علي مجتمعات الجنوب الارث القبلي المنفصل. وبالتالي اصبحت القوي السياسية في جنوب السودان رهينة الارث القبلي السائد في المجتمع السياسي وهي بذلك عاجزة عن التمايز وخلق خطاب سياسي بديل. فبدلاً من ان تتكتل القوي السياسية في جماعة واحدة لمجابهة الاخطار المحدقة بدولتهم، تجدهم منحصرين في جماعات قبلية في تحركات تشعل الحرب اكثر مما تخمدها. والفرق بين الجماعة (Community) والمجتمع (Society) هو ان الجماعة بتعريفها البسيط هي وحدة عضوية يولد فيها الانسان ولا يختارها. بينما المجتمع يفترض وجود افراد يتفقون علي البقاء معا لخدمة مصالح مشتركة. في جنوب السودان قامت النخبة الحاكمة بتكريس سياسة معينة قائمة علي تماهي الجماعة والدولة في وحدة واحدة، وربما اكثر نمازج شوعاً هي قيام مجلس كبار اعيان الدينكا بفرض هيمنته ليخلطون بين دورهم كمنظمة لجماعة ضمن جماعات مختلفة ومتعددة، ونشاطاته التي تمثل دور الحزب الحاكم في جنوب السودان. هذه السياسات انعكست سلبا علي التقاليد السياسية في البلد وخلق غيابا تام للخطاب الوطني. صفوة القول: فان توحيد القوي السياسية في جنوب السودان والتي بدات توكل ثمارها الان، ستخلق وضعاً مغاير لما نعيشه شيئا فشيئا. وربما يمكن قراءة موقف قادة الحركة الشعبية (المعتقلين) ورفضهم لمقررات موسيفيني، في هذا السياق. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.