التغيير: دارفور ذات ظهيرة قاسية ، لم تفلح نسمات الهواء الخجولة من تخفيف حدتها داخل " الراكوبة" الضخمة المنتصبة في معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور ، جلست خديجة ومعها رفيقاتها من بعض نساء وشابات المعسكر وهن في حالة من الخوف والاسى. وكانت " التغيير الالكترونية" شاركت في جلسة نظمتها منظمة إقليمية معنية بحقوق المرأة للاستماع الى شهادات السيدات حول تقارير تفيد بوقوع حالات اغتصاب للسيدات من داخل المعسكر وليس خارجه كما يحدث عادة عند خروجهن لقطع الأشجار من اجل حطب الوقود. قالت حليمة وهي تغالب دموعها انها تعرضت للاغتصاب في وضح النهار من احد الشباب داخل المعسكر وذكرت اسمه صراحة! وأضافت " كنت خارجة من منزلنا صوب منزل خالتي فاعترضني فلان وهجم علي وجرني الى احد الرواكيب المهجورة قبل ان يقوم باغتصابي ويلوذ هاربا". صمتت لبرهة ثم بكت طويلا وواصلت تحكي " لم أكن اتخيل يوما ان اتعرض للاغتصاب داخل المعسكر ومن شباب اعرفهم ويعرفوني.. كنّا نخاف من التعرض للاغتصاب خارج المعسكر من قبل الجنجويد عندما نذهب لقطع الأشجار.. الان الوضع اصبح لا يُطاق". وتعددت شهادات السيدات حول حوادث الاغتصاب وبنفس السيناريو مع اختلاف في الأماكن والجناة والذين اغلبهم من الشباب. ولكن ما لفت الانتباه كانت الكلمات التي خرجت من فم حواء والذي تعرضت للاغتصاب اكثر من مرة على حسب تأكيدها " اعتقد انه لم يعد لدينا اي خيار بعد فشل الجميع في حمايتنا سواء الحكومة او المنظمات او اليوناميد.. قررنا تعلم القتال باي وسيلة لنحمي أنفسنا من المغتصبين الذين بداوا يتكاثرون داخل المعسكر". وتقول منظمة " أمان" المعنية بحقوق المرأة انها تملك تقارير موثقة تفيد بتزايد حالات الاغتصاب ليس في معسكر زمزم فقط وانما في معظم معسكرات النزوح المنتشرة في دارفور. واوضحت ان هنالك جيلا جديدا من الشباب الذي ترعرع في المعسكرات والذي فقد الأمل في المستقبل وبدأوا في تعاطي المخدرات هم من يقفون وراء حالات الاغتصاب الجديدة في المعسكرات. وبعيدا عن معسكر زمزم ، وقريبا من معسكر أبوشوك بالقرب من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ، تتعرض المرأة الى نوع اخر من الانتهاكات وعلي مرأى من الجميع : حيث تعمل المئات من السيدات في مهنة صناعة الطوب في الكمائن التي انتشرت كما النار في الهشيم في اي مكان وبلا رقيب. في هذه الكمائن وقعت العشرات من الحوادث السيئة للنساء وهن يعملن. وتقول كلثوم والتي تبلغ من العمر 50 عاما وتعول أسرة مكونة من 7 اشخاص بعد ان فقدت زوجها بسبب الحرب وهروب ابناءها الكبار " اضطررت للعمل في هذه المهنة الشاقة حتي أستطيع تربية ابنائي بعد ان تم ايقاف المساعدات الانسانية داخل المعسكر. قبل مجيئي الى المعسكر كنّا نعمل في مهنة الزراعة في مناطقنا التي نزحنا منها ". وتضيف وهي تتحدث بأسي " للتغيير الالكترونية " قائلة " اتي الى هنا منذ الصباح الباكر وأظل اعمل حتي مغيب الشمس وفي نهاية اليوم يمنحني صاحب الكمينة عشرين جنيها وهي لا تكفي طبعا للاسرة خصوصا انهم لا يقدمون لي اي وجبة ولا جرعة ماء". اثناء حديث ام كلثوم ، مر رتل من السيارات والمدرعات التابعة للبعثة الدولية المشتركة في دارفور " يوناميد " وعليها جنود مدججون باسلحة ثقيلة ورشاشات ، فسألتها ان كان اي من المنظمات الانسانية الدولية او المحلية او حتي مسئولون حكوميون جاءوا اليهم من اجل تفقد احوالهم. فأجابت بالنفي القاطع. واضافت بسخرية مريرة " كل ما نحصل عليه هو الغبار الذي يخلفه رتل هذه السيارات او سيارات المسؤليين ولا نتوقع منهم اي شي لأننا اعتدنا على مثل هذا الوضع". اما سعدية فقد استقدمت معها بنتيها الكبري ذات الخمسة عاما والصغرى ذات العشر سنوات للعمل معها بالرغم من ان لديها أبناء كبار في السن . وتبرر ذلك بقولها " هنا لا يقومون بتشغيل الرجال والشباب ويصرون على ان تعمل المرأة لأنهم كما يقولون تعمل باخلاص وتفان وتاخذ ما يعطونه لها مهما كان قليلا لانها تخشي من ان تطرد في اليوم التالي". ولا تقتصر المشكلات التي تواجه المرأة في اقليم دارفور الذي يشهد حربا منذ العام 2003 على مشكلتي التعرض للاغتصاب او العمل في مهن شاقة ولكن تتعداها الى مشكلات اخري تتعلق بزيادة معدلات العنوسة والطلاق وسط النساء القاطنات في معسكرات النزوح في ظل عزوف الشباب. وفي هذا الصدد تقول الخبيرة في الشؤون الاجتماعية هانم عبد العزيز ان هنالك زيادة كبيرة جدا في نسبة العنوسة وسط السيدات والشابات في معسكرات النزوح. واضافت ان نسبة العانسات زادت بنحو 50% عما عليه قبل 15 عاما. وتؤكد هانم والتي اجرت الدراسة لصالح احدي المنظمات الاممية المعنية ان السبب الرئيس في زيادة معدلات العنوسة يعود الي عزوف الشباب عن الزواج " وجدنا ان معظم الشباب في معسكرات النازحين يفكرون في الهجرة خاصة الى أوروبا لبدء حياة جديدة.. وبالتالي أصبحوا يحجمون عن الزواج وخاصة ان من تزوج منهم اضطر الي تطليق زوجته بسبب الظروف غير المواتية للعيش في المعسكرات". وتشير إحصاءات وكالة الاممالمتحدة للشئون الانسانية ان عدد الاشخاص الذين يعيشون في المعسكرات في دارفور وصل الي 3.2 مليون شخص وان اكثر من نصف هذا العدد هم من النساء.