السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإدارة الأهلية بدارفور : جدلية السلطة بين المركز والهامش
نشر في حريات يوم 02 - 03 - 2014


د. يوسف تكنة
نوفمبر2013
مقدمة :
في هذه الورقة تعني الإدارة الأهلية شبكة رجال الإدارات القبلية التي عرفت في الأدب الإداري السوداني بالإدارة الأهلية وهي الوظائف القيادية التي ظل يتقلدها زعماء القبائل في السودان لأداء واجبات وظيفية وأهلية محددة منذ عهد السلطنات السودانية ، دارفور ، سنار ، تقلي ، المسبعات والعبدلاب وغيرها من مراكز السلطة ثم جاءت الأنظمة من بعد واعتمدت عليها في إدارة القبائل والمجتمعات المحلية.
في دارفور هذه الإدارة الأهلية التي شملت الزعامات التقليدية القبلية و المحلية مختلفة في تطورها عن باقي مناطق السودان الأخرى. يأتي هذا الاختلاف في أنها كانت الأداة الإدارية القوية أثناء فترة سلطنة الفور حتى عام 1916م ثم جاءت السلطة البريطانية الاستعمارية وأبقت عليها مع قليل من التغيير والتحوير ليناسب خدمة أغراض الإدارة البريطانية الجديدة بعد أن قامت بضم مملكة دارفور إلى السودان الإنجليزي المصري.
في فترة الإدارة البريطانية 1916-1956م بدرافور تأسست الإدارات القبلية بسلطات وصلاحيات كبيرة لإدارة شؤون قبائلها ومجتمعاتها المحلية خاصة في مجالات حفظ الأمن والنظام العام وإدارة الأرض ومواردها وفض النزاعات القبلية إضافة إلى النظر في الأحكام العرفية بين افراد القبيلة في القضايا الفردية والجماعية المختلفة. في هذه الفترة شكلت القيادات التقليدية الأهلية بدارفور عنصر أمن واستقرار لأفراد المجتمعات المحلية المختلفة من النساء والأطفال والرجال خاصة وأن الزعيم الأهلي يعتبر عرفياً المسؤول الأول عن حفظ حقوق أفراد قبيلته من الرجال والنساء في مجتعه المحلي.
أشار إلى هذا الواقع أحد القيادات التقليدية بولاية جنوب دارفور بقوله " قبل الصراع الأخير بدافور عام 2002م كانت الإدارة الأهلية فعالة ورجل الإدارة الأهلي له صلاحيات عرفية كبيرة وواسعة وسط أهله والحكومة . فالشيخ في القرية أو الفريق يقوم بدور الشرطة وحل النزاعات وسط أهله ويقوم بعمل جاد في رتق النسيج الاجتماعي بين المزارع والراعي ويعمل كالسفير لقبيلته أينما ذهب أو حل أما القيادات الأهلية الوسطى كالعمد فدورهم أكبر من ذلك إذ يقوم العمدة بالقضاء بين الناس بجانب دور الشرطة ويعمل على المصالحات ورتق النسيج الاجتماعي بين القبائل المختلفة وقبيلته ويعكس سمعة قبيلته بالتسامح وسط القبائل وكانت لهم سلطات إدارية وقضائية والكلمة المسموعة وسط أهله وعشيرته أما القيادات العليا كالنظار والشراتي فكانوا يقومون بدور (الولاة ) في قبائلهم ولهم الكلمة العليا في القبيلة ويتمتعون بسلطات إدارية وقضائية ومعنوية كبيرة بجانب الاحترام وفق الأعراف والتقاليد من المجتمع والدولة مع الحياد الكامل في المجالات الاجتماعية والسياسية مما وفر لهم الثقة والكلمة المسموعة وسط جميع الأطراف في حالات النزاع والاختلاف على المستويين الفردي والجماعي وهذا الحياد مع الروح الأبوية التي كانوا يمارسونها تجاه أفراد قبائلهم والأخرين شكل حماية لهؤلاء الأفراد بما فهم نساء القبيلة "( ).
هذا الدور الفعال للقيادات في دارفور بدأ تدريجياً في الضعف والتغيير بمرور الزمن بمفعول سياسات الأنظمة الوطنية في الخرطوم منذ الاستقلال وحتى اليوم. هذه الأنظمة في إطار طموحها لبناء نموذج وطني في السودان شعرت منذ بداية الاستقلال عام 1956م أن الزعامات التقليدية بدارفور تتربع على سلطات محلية وقبلية هائلة جعلت منها أشبه بمراكز القوة السياسية وهذا أمر يتنافى مع طموح سلطات الأنظمة السياسية المركزية بالخرطوم مما حدا بهذه الأنظمة إلى تبني سياسات جديدة بدارفور تضعف من نفوذ شيوخ وقيادات القبائل حتى يتآكل هذا النفوذ الأهلي ويسلس القياد للسلطة الوطنية بالمركز حتى يمكن إدماج هذه المناطق الهامشية البعيدة في إطار وسياسات الدولة الوطنية الوليدة ( ).
هذه السياسات التي تضعف وتحد من نفوذ القيادات التقليدية بدارفور ظهرت جلية وواضحة في ظل الأنظمة العقائدية التي حكمت السودان في فترات متلاحقة بعد الاستقلال وهي نظام المشير جعفر نميري 1969-1985 وهذا كان يساري العقيدة والتوجه ثم نظام الفريق عمر البشير 1989-2013 ذو العقيدة والتوجه الإسلامي . لإضعاف سلطة القيادات التقليدية بالسودان عامة وبدارفور بصفة خاصة أصدر قانون الأراضي غير المسجلة سنة 1970م الذي تم بموجبه تحويل ملكية هذه الأراضي للدولة بما فيها حواكير أراضي القبائل بدارفور التي كان يستمد منها شيوخ هذه القبائل أو في مواردها وتنظيمها قاعدة سلطانهم المادي كما أصدر في نفسس العام قراراً بحل جهاز الإدارة الأهلية بدارفور .
كل هذه السياسات القانونية والإدارية من السلطة المركزية في عهد المشير جعفر نميري وجهت ضربات قوية لسلطة القيادات التقليدية بدارفور وأحدثت فراغاً إدارياً هائلاً في الإقليم كانت من نتائجه المباشرة الانفلات الأمني والقبلي على كل الأصعدة . عندما تمت إعادة الإدارة الأهلية لاحقاً بعد عقد من الزمان لتنظيم سلطة القيادات الأهلية مرة أخرى جاءت هزيلة ومرتبكة بل وفقدت جزءاً كبيراً من شرعيتها الاجتماعية .
أما في عهد الفريق عمر البشير منذ 1989م وحتى الآن فقد انتهجت الحركة الإسلامية (NIF) نهجاً جديداً في السياسة تجاه الإدارة الأهلية وسلطة زعماء القبائل. اتسمت هذه السياسة بالاستفادة السياسية القصوى من القيادات التقليدية وذلك بإدراجهم بصورة مباشرة في الحزب الحاكم (NCP) كقادة لقبائلهم وتم تحوير مهامهم الوظيفية التقليدية التي عرفت بها الإدارة الأهلية وحولتهم إلى موظفين سياسيين ضمن بروقراطية الحزب وبذلك ذهبت الحيادية التي كان يتمتعون بها في مجتمعاتهم الأمر الذي أدى بدوره إلى فقدانهم الشرعية الاجتماعية التي تمدهم بالفعالية وتحيطهم بالاحترام والقبول وسط الفرقاء.
الصراع وتصدع الإدارة الأهلية بدارفور :
في مراحل نزاع دارفور الأولى 2003-2008م تم تسييس زعماء الإدارة الأهلية وذلك باستقطاب هذه القيادات بين الحكومة والحركات المسلحة بدارفور ، أما الحكومة فقد أتت بالقيادات التي تقف إلى جانبها في الصراع مع الحركات المسلحة ضد التمرد. هنا تم تقسيم القيادات الأهلية إلى ثلاثة أقسام تجاه الصراع الدائر بدارفور .
(1) قسم آذر الحكومة ووقف معها بقبائلهم ضد الحركات المسلحة ومعظم هؤلاء من قبائل البدو العربية من البقارة والأبالة وأطلق عليهم (الجنجويد).
(2) قسم آخر وقف مع الحركات المسلحة ضد الحكومة ومعظم هؤلاء من القبائل المستقرة ذات الجذور الأفريقية وأطلق عليهم ( التورابورا).
(3) قسم ثالث من هؤلاء رفض سياسة الحكومة وكذلك سياسة الحركات المسلحة وأثر الحياد ولكن هذه المجموعة تم استهدافها من قبل الحكومة وحركات التمرد وأصبحت عاجزة لا حول لها ولا قوة وهي بذلك غير مؤثرة في مشهد الصراع وكذلك لم تستطيع أن تقوم بدورها وفقدت نفوذها( ).
جاء أكثر التأثير السلبي على نفوذ زعماء الإدارة الأهلية جاء من سياسة الحكومة إنشاء وتسليح مليشيات للقبائل الموالية لها في حربها مع الحركات المسلحة الأمر الذي أخرج قيادة القبائل والمجتمعات المحلية التقليدية وجعل رؤساء هذه المليشيات القبلية المسلحة مثل حرس الحدود والاحتياطي المركزي والشرطة الشعبية وعقداء مليشيات القبائل هم القادة. كل هذه التنظيمات العسكرية ذات منشأ قبلي وتدين للقبيلة بالولاء وتخوض حروبها ضد الآخر. ولأن هذه المليشيات تمتلك التنظيم والسلاح والعتاد العسكري والغطاء القانوني الحكومي أصبحت هي القيادة الحقيقية وسط المجتمعات القبلية وسلبت الزعامات التقليدية في الإدارة النفوذ والسلطة . " هؤلاء حملة السلاح نحن متضررين منهم في القضايا القبلية. جزء منهم يستفز الأهالي المستقرين بالسلاح ويأخذون الدية على ظهور الخيل وهم يضعونها حسب هواهم بدون الرجوع إلى الأعراف والقانون وهؤلاء المسلحون لا مرتبات لهم وهم جيش متطوع ونحن لا حيلة لنا معهم ( ). هذا القول صادر من أحد زعماء القبائل المؤثرين في مجريات الصراع بدارفور منذ بداياته 2003م وحتى اليوم أما بعض نشطاء القبائل يرى أن " الإدارة الأهلية والزعماء التقليديين أصبحواء جزءاً من الصراع الذي يدور الآن بدارفور بل هم جزء من أزمة الحرب لأنهم يساهمون بالسلاح والمال والرجال ولظروف التحولات التي أحاطت القبائل ولأن السيطرة أصبحت للعقداء ورؤساء المليشيات القبلية وفي حالات الحروب غالباً ما يكون زعيم الإدارة القبلي هو رئيس اللجنة العليا للقبيلة لإدارة أزمة الحرب التي ترأس لجان المالية والشؤون العسكرية والسياسية ولجنة الوساطة وإذا لم يقم بذلك يفقد أي دور يمكن أن يقوم به ( ).
هذا الواقع الذي أدى إلى تغيرات جذرية في نفوذ ودور القيادات التقليدية بدارفور خلال العقدين الأخيرين منذ اندلاع الصراع بها والسياسات المنهجية التي اتبعتها السياسات المركزية للنظام الحاكم لإضعاف دور الشيوخ التقليديين في مجتمعاتهم القبلية والمحلية من الضرورة بمكان تحليله والنظر إليه.
بالرغم من حالة الضعف والوهن التي أصابت دور وقدرة الزعماء التقليديين
إلا أنهم مازالوا قادرين على تقديم الحماية لأفرادهم خاصة داخل معسكرات النزوح. ويمكن تقوية هذا الدور داخل وخارج المعسكرات في معظم المدن والقرى والفرقان إذا توفرت بعض السياسات والإجراءات التي تهيئ المجتمع الدارفوري وتقوي من دور الزعماء التقليديين لهذا الدور الهام ومن تلك السياسات والإجراءات الجوانب التالية :
(1) اظهار هيبة الدولة وفرض القانون والنظام العام وفق سياسات منهجية مع تقوية المؤسسات التي تقوم بهذا الجانب خاصة الأجهزة الشرطية والقضائية وذلك عن طريق التأهيل والتدريب.
(2) جمع السلاح من المليسيات القبلية ووضعه في يد الأجهزة الحكومية المعنية مع إبقاء جزء منه في يد ومسؤولية رجال الإدارة الأهلية بالقدر الذي يحفظ الأمن والاستقرار كما كان من قبل مع إعادة هيكلة كل التكوينات العسكرية ذات الطبيعة القبلية بما يؤكد السيطرة عليها بواسطة أجهزة الدولة المعنية مع إعادة تأهيليها وتدريبها مهنياً .
(3) إعادة هيكلة الإدارة الأهلية وفق الأعراف والتقاليد التي قامت عليها وإبعادها من التسييس والتحزب مما يعيد لها الحيادية حتى تتمكن من أداء دورها المنوط بها في السابق ويجذب الاحترام والتقدير وسط مجتمعاتها ويجعل منها أداة فعالة في خلق الاستقرار الاجتماعي ويعيد للقضاء الأهلي والعرفي دوره في حفظ أمن وحقوق الناس.
(4) توعية وتدريب وتأهيل القيادات القبلية على المفاهيم الحديثة مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وطرق الحماية الضرورية تجاه هذه الشرائح الاجتماعية الضعيفة على أن تكون هناك حوافز معنوية ومادية من الدولة والمنظمات العاملة في هذا المجال للقيادات التي تبلي بلاءاً حسناً في إدارة مثل هذه البرامج.
(5) يشكل الصراع على الأرض بدارفور خلال العقود الماضية وحتى اليوم أحد أهم أسباب الحروب القبلية والأهلية بدارفور الأمر الذي أدى إلى عدم استقرار هذه المجتمعات كما أطال من بقاء أعداداً هائلة من النازحين حول مدن وأشباه المدن بدارفور. كانت الأرض وإدارة مواردها أي نظام الحواكير التقليدي مرتبط ارتباطاً عضوياً بالإدارة الأهلية والقيادات التقليدية بإقليم دارفور والآن بعد تعدد الصراعات في دارفور وضعف دور الإدارة الأهلية الذي أشرنا إليه لا يمكن أن يستقيم عود هذه الإدارة دون معالجة أمر الأرض (الحاكورة) الذي ذهبت به السياسات ، الأمر الذي يحتم رسم سياسات واضحة وربطها بالإدارة المحلية القبلية والمجلسية وتنفيذ هذه السياسات بما يقوي من دور الزعماء التقليديين وإعادة تنظيم شؤون هذه المجتمعات المحلية.
(6) كثير من حالات العنف ضد المرأة كالاغتصاب والاختطاف التي واكبت الصراع بدارفور منذ بداية القرن وحتى اليوم ارتبطت في معظمها بمجموعات البدو المسلحة الموالية للحكومة ضد المجموعات المستقرة الأمر الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة هؤلاء. في هذا المجال ينبغي أن تكون هناك برامج طويلة الأمد وسط هذه المجموعات كالتعليم والتنمية والاستقرار وبرامج قصيرة الأجل كالتدريب والتأهيل وبسط المفاهيم السليمة في مجال حقوق الإنسان والمرأة والطفل في حالتي السلم والحرب . وفي هذا المجال هناك مؤسسات للرحل بإقليم دارفور يمكن إشراكها والتعاون معها في رسم وتنفيذ مثل هذه السياسات.
(7) عُرف إقليم دارفور بمجتمعاته المتنوعة ثراءاً في الأعراف والتقاليد في تراثه الثقافي الشفاهي خلال العصور المختلفة وهناك كثير من التقاليد والأعراف تحض على القيم التي تعلي من مكانة الأخلاق والتعايش السلمى. هذه الأعراف والتقاليد التي تحترم الحياه والسلام تعرضت لهزات عنيفة في تاريخ دارفور الحديث منذ اندلاع الصراع مع بداية القرن ووهنت هذه الأعراف وتآكل مردودها الاجتماعي لعوامل الاضطراب وعدم الاستقرار وينبغي دراسة وإحياء هذا التراث الثقافي النبيل لإعادة النسيج الإجتماعى.( ).
دور القيادات التقليدية في مرحلة الصراع الأولي وأثره على الإدارة الأهلية :
في هذه المرحلة المبكرة من الصراع وتدافع المواطنين الكثيف للنزوح إلى المعسكرات بالمدن حدث انهيار شبه تام لنظام الإدارة الأهلية وسلطة الزعماء التقليديين إذ أن هؤلاء كغييرهم من المواطنين فروا بجلدهم من مناطق الحرب دون أن يقدموا لمواطنين قراهم أي نوع من التنظيم في إدارة النزوح خاصة على المستويات الدنيا من الحكم الأهلي كالشيوخ والعمد مما أدى إلى فجوة واسعة بين هؤلاء ومواطنيهم وإن بقيت السلطات العليا في الإدارة على قدر من الشرعية. هذا الأمر خلق واقعاً جديداً في هيكل الإدارة وشرعيتها التقليدية.
تقول آمنة عبد الرحمن نورين الأمين العام للمرأة النازحة بولاية غرب دارفور "في بداية المشاكل بقرية تندلتي في 5 مايو 2004م وتم الهجوم على القرية وتم نهب حوالي 400 رأس من الماشية وبعض الخيول تحت تهديد السلاح تحركنا نحن أفراد سبعة وعشرين أسرة من تندلتي إلى الجنينة وهذه الهجرة لم تكن منظمة وهي أشبه بالفرار إلى حيث الأمان ولم يكن هناك من هؤلاء أحد إلا عام 2006م وهذا جعل النازحين يكرهون هؤلاء الشيوخ ويعدونهم عملاء للحكومة ولم يتمكنوا من دخول المعسكرات إلا بعد عدد من السنين بعد أن كثفت المنظمات الإنسانية عدداً من الورش لأهمية فض النزاعات وأن لهؤلاء خبرات في ذلك"( ).
الفراغ الذي تركه شيوخ الإدارة الأهلية في المستويات الدنيا خاصة في المعسكرات ملأه شيوخ جدد يطلق عليهم شيوخ النظام ( تاكل عيش). هؤلاء شيوخ جدد جاءت بهم ظروف الحرب داخل المعسكرات وهؤلاء نمط جديد وغير تقليدي . معظم هؤلاء الذين تولوا قيادة النازحين في المعسكرات هم من العناصر الشابة والمتعلمة ولها موقف رافض لسياسات الحكومة باعتبارها طرفاً في النزاع باعتمادها على القبائل العربية التي سلحتها ودربتها وزجت بها بالحرب ضدهم . هذه المجموعة الجديدة من القيادات في المعسكرات التي يطلق عليها شيوخ النظام أو شيوخ " تاكل عيش) بحكم التعليم أصبحوا واسطة بين هؤلاء النازحين والمنظمات الإنسانية في تقديم الاحتياجات المعيشية والخدمية كالعلاج والتعليم وغيرها من الاحتياجات الإنسانية كما أنهم بحكم هذه الصلة أصبحوا يريدون توزيع هذه الاحتياجات والخدمات الأمر الذي أكسبهم نفوذاً كبيراً وهم أيضاً يتكسبون من وراء ذلك حتى أطلق عليهم شيوخ ( المنفعة).
استطاع هؤلاء الشيوخ الجدد في المعسكرات التي تحوي في إقليم دارفور حوالي 30% من جملة السكان و60% من مجتمع القبائل الأفريقية المستقرة التي تمتهن الزراعة في الإقليم استطاعوا أن يحدثوا انقلاباً في هيكل سلطات الشيوخ التقليدي في الإدارة الأهلية خاصة في مستوياتها الدنيا والوسيطة وكذلك في الوعي بالمفاهيم الحديثة كحقوق المراة وحقوق الطفل والإنسان وبناءاً على ذلك أسست هياكل جديدة للنساء والشباب من الجنسين ( ). في مجال شيوخ النظام الجدد رقم نقلة الحداثة التي يتمتعون بها في نظر كثير من المواطنات والمواطنين في المعسكرات وخارجها إلا أنهم يفتقدون إلى الإلمام بالتقاليد والأعراف الاجتماعية والقبلية التي يعتمد عليها في فض النزاعات ورتق النسيج الاجتماعي داخل وخارج معسكرات النزوح. هذا الأمر بدوره شجع القائمين على المعسكرات على أهمية عودة بعض القيادات القبلية القديمة أن تظهر مؤخراً بعد عام 2006م وتتولى إدارة بعض المهام في فض النزاعات والخلافات عن طريق الأعراف والتقاليد الأمر الذي أدى إلى احتدام المنافسة في النفوذ والصلاحيات بين المجموعتين القدامى شيوخ وعمد القرى والجد شيوخ النظام .
أما بالنسبة لإدارات شيوخ قبائل البدو العربية في المرحلة الأولى من الصراع بدارفور فقد تحالفت مع الحكومة وأصبحت الحرب هي الشغل الشاغل لقياداتها في الإدارة الأهلية خاصة في شمال ووسط وغرب دارفور. هذا التحالف مع السلطة الحاكمة بالرغم من أنه حقق لهذه القيادات التقليدية الأهلية بعض المكاسب في زيادة عدد المنتسبين وتخصيص إمارات جديدة في غرب ووسط وشمال دارفور وعدد آخر من الوظائف الأهلية وبعض المكاسب اللوجستية والمالية إلا أنه من جانب آخر أثر هذا الأمر على شرعية ونفوذ هذه القيادات .
إن تجييش عدد كبير من أفراد هذه القبائل وتزويدها بالسلاح وتدريبها خلق على رأسلها مليشيات تمتلك القوة والنفوذ القبلي والمحلي على حساب القيادات الأهلية التقليدية وهذا أيضاً فيه انقلاب في هياكل سلطة شيوخ الإدارة الأهلية لدى القبائل العربية كما حدث لقيادات القبائل المستقرة في المعسكرات. أصبح نفوذ أمراء المليشيات القبلية الجدد هو الذي يسيطر على الأرض. قال أحد كبار مشايخ الرحل بولاية غرب دارفور صراحة " إن هؤلاء حملة السلاح نحن متضررين منهم في حل المشاكل القبلية. جزء منهم يستفز المستقرين بالسلاح ويأخذون الدية على ظهور الخيل وهم يضعونها حسب هواهم بدون الرجوع إلى الأعراف والقانون " أما بالنسبة لنفوذ شيوخ النظام الجدد بالمعسكرات أورد قائلاً " كون سلطان المساليت لجنة للنظر في النزاع حول الأرض وهي مشتركة بين المستقرين والرحل تكونت منها لجان فرعية للنظر في نزاع الأرض في قوكر وكرينك وهي مشتركة بين العرب والمساليت ولكن وجدنا معاكسة من الشيوخ ورؤساء المعسكرات ولم نستطع فعل شيء في الأمر"( ). تجاوز تأثير هذه المليشيات قضايا حروب القبيلة الى شروط المصالحات الأهلية القبلية . إذ صار الأمر بإرادتهم فى نهاية المطاف وليس بيد زعماء الإدارة الأهلية كما كان يجرى العرف فى السابق وأصبحوا هم الآن المرجعية القبلية فى هذا الأمر (مؤتمر الصلح فى أحداث جبل عامراكتوبر 2013 م ومؤتمر الصلح بين بنى هلبة والقمر الذى يجرى بنيالا) كما أن تأثيرهم شمل فى بعض المناطق الدور التقليدى لشيوخ إدارة الأرض فى القرى والحلال (حالة أرض قبيلة أم كملتى شرق مدينة نيالا).
هذا ما كان من أمر جهاز الحكم الأهلي الذي يتربع على رأسه القيادات التقليدية في القيادات الدنيا والوسيطة وما جرته عليه ظروف الصراع بدارفور في مراحلها الأولى وهو إضعاف شرعية القيادات التقليدية القديمة وبروز قيادات جديدة في مجتمعات المستقرين والرحل على حد سواء.
أما على مستوى القيادات العليا كان عليهم أن يتحالفوا مع النظام الحاكم للمحافظة على مواقعهم التي ورثوها من آبائهم في قيادة مجتمعاتهم القبلية وإلا تم استبدالهم بآخرين موالين للنظام الحاكم. في ظل هذه الظروف السياسية آثر عدد كبير منهم الانضمام للنظام الذي بدوره فتح لهم المجال لمناصب عليا في أجهزة الدولة والحزب للجمع بين وظائفهم التقليدية الموروثة ووظائف عليا في المجالات التنفيذية والتشريعية والسياسية. من أمثلة تلك الوظائف العليا التي جمع بها قادة الإدارة الأهلية بدارفور بين وظائفهم التقليدية والتنفيذية والسياسية العليا بالنظام الحاكم في ظل التحالف الجديد بينهما نذكر الأمثلة الآتية:
1. صلاح علي الغالي ، ناظر قبيلة الهبانية بجنوب دارفور تولى منصب والي ولاية غرب كردفان ثم والياً لولاية جنوب دارفور ثم رئيساً للبرلمانيين من الحزب الحاكم على مدى السنوات الماضية .
2. صلاح الدين محمد الفضل مقدوم قبيلة الفور والقبائل حول منطقة نيالا بجنوب دارفور ، تولى منصب محافظ لمحافظة لقاوة بكردفان ثم وزيراً للتربية والتعليم بولاية جنوب دارفور ثم عضواً في البرلمان القومي بالإضافة إلى وظائف سياسية أخرى.
3. ابراهيم عبد الله ، شرتايه الفور بمنطقة جنوب نيالا تولى نائب رئيس المجلس الولائي بجنوب دارفور لدورتين ثم نائباً لوالي ولاية شمال دارفور ثم مستشاراً لحكومة ولاية جنوب دارفور.
4. جعفر عبد الحكم ، شرتايه الفور بمنطقة وادي صالح أصبح وزيراً للصحة ثم والياً لولاية غرب دارفور بجانب وظائف سياسية في الحزب الحاكم.
5. سعد بحر الدين سلطان المساليت ، أصبح رئيساً للمجلس التشريعي لولاية غرب دارفور لأكثر من دورة. ثم اصبح رئيسا لمجلس تشريع السلطة الإنتقالية.
6. هاشم عثمان هاشم ، سلطان القمر بكلبس أصبح وزيراً لوزارة الشؤون الاجتماعية بولاية غرب دارفور ثم عضواً في البرلمان ممثلاً للحزب الحاكم.
7. طلعت عثمان هاشم ابن سلطان القمر عثمان هاشم وشقيق السلطان الحالي هاشم عثمان هاشم صار محافظاً لمحافظة الجنينة ثم وزيراً للمالية بولاية غرب دارفور.
8. موسى هلال عبد الله شيخ قبيلة المحاميد بشمال دارفور أصبح مستشاراً في ديوان الحكم الاتحادي بالسودان .
9. محمد بشارة دوسة ابن سلطان الزغاوة كوبي بشمال دارفور أصبح وزيراً للعدل بالسودان خلال السنوات الماضية ومازال أثناء كتابة هذه الدراسة( ).
10. الفريق آدم حامد موسى من أسرة زعامة قبيلة الزيادية بشمال دارفور وزوج ابنة ناظر القبيلة ادم جزو تولى والياً لولاية كسلا ثم والياً لولاية جنوب دارفور والآن رئيساً لمجلس الولايات.
11. الفريق حسين عبد الله جبريل ابن رئيس قبيلة العريقات بشمال دارفور عمل رئيساً للجنة الشؤون الأمنية بالمجلس الوطني القومي .
12. الناظر الصادق عباس ضو البيت ناظر قبيلة البرتى بشمال دارفور يعمل نائباً لرئيس المجلس التشريعي لولاية شمال دارفور ورئيس اللجنة التنفيذية للإدارة الأهلية ( الحكومية).
13. شريف محمدين آدم صبي ابن ملك الزغاوة تور بامبرو يعمل رئيساً للجنة الحكم المحلي بمجلس الولايات لدورتين.
14. ابراهيم عبد الله جاد الله شيخ الرزيقات بام سيالة الآن رئيس المراحيل والمسارات بدرجة مفوض برئاسة ولاية شمال دارفور.
15. آدم صبي رئيس شرتاوية الزغاوة قلا ، مسؤول شؤون القبائل برئاسة ولاية شمال دارفور بدرجة مفوض .
16. اللواء(م) الهادي آدم حامد من أسرة ناظر قبيلة بني حسين في شمال دارفور يعمل مستشاراً بدرجة وزير بولاية شمال دارفور .
17. الدكتور التجانى سيسى ،رئيس السلطة الإنتقالية لإقليم دارفور ،الأخ الأصغر للدبيقاوى فضل سيسى رئيس أهم الوظائف الأهلية لقبيلة الفور بجبل مرة.
18. اللواء شرطة (م) موسى جالس ناظر قبيلة البرقد .عمل عضوا بمجلس الولايات بالخرطوم ثم رئيسا للمجلس الولائى لولاية شرق دارفور حاليا .
19. العميد (م) طلحة موسى مادبو .عمل محافظا للضعين ثم مستشارا لوالى جنوب دارفور ثم محافظا لنيالا وحاليا مستشارا لوالى شرق دارفور.
هذا التحالف الجديد بين المكون الأساسي للقيادات التقليدية في الإدارة الأهلية ذهب بفعالية هذه الإدارة وأحدث فراغاً كبيراً في كثير من المجتمعات المحلية بدارفور، بتقلد هؤلاء لوظائف عليا تنفيذية وسياسية في أجهزة النظام الحاكم على المستوى الولائي والاتحادي المركزي تآكلت شرعيتهم المحلية إذ لم يعد من اهتماماتهم بالمواطن الذي جاءوا إلى الحكم من مؤسسته التقليدية الأهلية بل ابتعدوا عن هذا المواطن جغرافياً فجاءوا إلى المدن في عواصم الولايات أو عاصمة البلاد الخرطوم وأصبحوا جزءاً من مجتمعها وتبدلت اهتماماتهم القديمة بأخرى جديدة وحدث شبه انفصال تام بينهم وبين قواعدهم وهمو م هذه القواعد الأهلية من نساء ورجال.
وهكذا إذا كانت القاعدة من شيوخ وعمد القيادات التقليدية قد ذهبت بهم وبشرعيتهم ظروف الصراع بدارفور في مراحلها الأولى فإن رأس القيادة الأهلية قد ذهبت به السياسات الجديدة للنظام بهذا التحالف السياسي الجديد وبذلك انكشف المجتمع الأهلي المحلي من أي غطاء يوفر أي حماية المواطنين رجالاً كانوا أو نساءاً بل أصبحت هذه القيادات جزءاً من شرعية سياسات النظام البائسة ضد مواطنيهم بما فيها ويلات الحروب من خراب وتقتيل وتشريد وتجاوزات الحروب الأخرى.
المرحلة الثانية من الصراع بدارفور وأثرها على الإدارة الإهلية
تميزت المرحلة الثانية من الصراع بدارفور بتطورات لافتة لكل باحث في قضايا هذا الصراع ، أولى هذه التطورات أن الصراع العنيف الذي كان يدور بين جنود الحكومة والمليشيات التابعة لها وحركات دارفور المسلحة انحسرت حدته في مناطق وسط وغرب وشمال دارفور بعد أن أفرغت معظم هذه المناطق من سكانها وتم إدخالهم في معسكرات النازحين في المدن المختلفة. بالرغم من أن هناك مناوشات بين الحركات المسلحة والقوات الحكومية في هذه المناطق إلا أنها ظلت محدودة في معظم الأحيان. بالرغم من انحسار العنف في هذه المرحلة إلا أن الحكومة لجأت بصورة أساسية إلى استعمال سلاح الطيران وإلقاء القنابل من الجو الأمر الذي ضاعف من وتيرة نزوح عدد كبير من القرى التي لم يتم حرقها كلياً أو جزئياً في المرحلة الأولى. هذا الأسلوب هو الذي ظل متبعاً حتى اليوم وكذا النزوح الداخلي إلى معسكرات النازحين أو الأحياء الطرفية والفقيرة وهذا الأمر كان شاملاً لكل مناطق الإقليم خاصة ولايتي شمال وجنوب دارفور .
أما التطور الآخر للصراع في مرحلته الثانية فهو الصراع بين مكونات الإقليم الأثنية والقبلية الذي تركز أساساً بين عشائر قبائل الرحل العربية خاصة في ولايتي شمال دارفور ( منطقة جبل عامر) وولايات جنوب دارفور بين قبائل البقارة .
العنف الكثيف الذي أتى من استعمال سلاح الطيران من قبل الحكومة وصراع القبائل فيما بينها على موارد الأرض نتج عنه آثار اجتماعية واقتصادية شديدة الوطأة على مجتمع دارفور .
في هذه المرحلة الثانية من الصراع بدارفور يمكن النظر إلى الزعماء التقليديين بدارفور على أنهم ينقسمون إلى أربع مجموعات لكل منها خصائصها وظروفها المحيطة بها وتتفاعل مع أحداث العنف من خلاله.
المجموعة الأولى وهي المجموعة القيادية التي آثرت التحالف مع النظام الحاكم وتقلدت الوظائف السياسية العليا على مستوى الأجهزة الولائية أو الاتحادية على مستوى المركز. هذه المجموعة خرجت من حيزها الجغرافي ( الدار ) أو (الحاكورة) وأصبح اهتمامها وفعلها خارج إطار مجتمعها المحلي إلا في حالة تعبئة هذا المجتمع في نيل مكاسبها السياسية العليا التي حققتها في الوظائف. هنا أصبح المجتمع المحلي القبلي لهذه المجموعة بمثابة الكلية أو الدائرة والوحدة السياسية التي يمكن المناورة بها في مجال التنافس السياسي في الوظائف العليا.
فيما عدا ذلك فهي ليس لها شأن يذكر في مجال معالجة قضايا المجتمع المحلي عموماً أو حتى مجتمعها القبلي والمجتمعات الأخرى إقتصر دورهم على السفر إلى حضور مؤتمرات التصالح القبلي التقليدية وتهدئة الخواطر حتى لا تتجاوزهم الذاكرة وحتى يكون لهم الحضور والاعتبار في وظائفهم السياسية الرفيعة . هذه المجموعة تتكون من القيادات مثل السلاطين والمقاديم والنظار والشراتي كما جاءت الأمثلة لهم من قبل في مرحلة الصراع الأولي.
أما المجموعة الثانية فهي تتكون بصفة عامة من مجموع قيادات شيوخ الرحل أو القبائل العربية الذين لم تأهلهم إمكانياتهم التعليمية والشخصية من المنافسة على الوظائف العليا. هؤلاء ظلوا وسط قبائلهم ولكن سلطتهم تآكلت بعد أن أصبحت المليشيات القبلية الحكومية والأهلية هي صاحبة الأمر والنهي إذ يقول أحد النشطاء المحليين " إن الإدارة الأهلية لهؤلاء الشيوخ أصبحت جزءاً من أسباب الحرب . فهم في الظروف الحالية مضطرون للإبقاء على وضعهم مع نفوذ " عقداء" المليشيات العسكرية المتصاعد ، مضطرون للمساهمة في الحروب القبلية الدائرة للمساهمة بالمال والرجال في الحرب . وفي الغالب ما يتم تشكيل لجنة لإدارة الحرب مع القبائل الأخرى وتكون هذه اللجنة العليا برئاسة ناظر القبيلة أو زعيم الإدارة القبلية وهذه اللجنة بدورها تقوم برئاسة لجان الحرب الأخرى مثل لجنة المالية واللجنة السياسية وتتكون من الوسطاء والأجاويد واللجنة العسكرية برئاسة عقيد المليشيا العسكرية الأولى وهي أهم هذه اللجان.
كل القبائل لها هذا التنظيم دون استثناء ، هذا بالنسبة للقبائل العربية أما بالنسبة لقبائل " الزرقة" فلهم نظام مختلف وهم ينسقون مع شيخ مشايخ معسكرات النازحين الذي اصحبت كلمته نافذة أكثر من المقدوم والشراتي وعلى اتصال دائم مع حركات التمرد المسلحة ومنظمات المجتمع الدولي.(11)
مع أن هذه المجموعة من الشيوخ التقليديين قد فقدت نفوذها بحكم الواقع الجديد على الأرض إلا أنها في بعض الحالات استطاعت أن تقوم بإجراءات توفر الحماية للنساء والأطفال . كان هذا جلياً في أحداث الصراع القبلي بين قبائل المسيرية والتعايشة من جانب وقبيلة السلامات من جانب آخر في مارس 2013م بولاية جنوب دارفور . في أثناء الصراع بين هذه القبائل وعندما اقتربت الحرب من مدينة رهيد البردي العاصمة الإدارية لقبيلة التعايشة قرر هؤلاء الزعماء من الطرفين بسحب نساء وأطفال قبيلة السلامات من مدينة رهيد البردي وترحيلهم إلى نيالا عاصمة الولاية وذلك برضاء وطلب من قيادات قبيلة السلامات وقد أشرفت سلطات الحكومة الولائية على هذا الترحيل وتم اعتبارهم كنازحين (IDPS) وتم إيواءهم ببعض المدارس الحكومية بنيالا وقد تجاوزت أعدادهم 1000 نازح (12).
(11) أحمد ادم بشير ،مدير تعليم مرحلة الاساس ،مستشار،والى ولاية جنوب دارفور سابقا،نيالا.
(12) ولاية جنوب دارفور ،معتمد الرئاسة بالولاية، 25/5/2003 . نيالا.
تكرر نفس الإجراء لحماية النساء والأطفال أيضاً في الصراع بين قبيلتي بني هلبة والقمر في الصراع القبلي بينهما في أبريل 2013م حيث قام شيوخ قبيلة القمر بسحب النساء والأطفال من القرى المتعددة إلى رئاسة المحلية في مدنية كتيلة حيث يتوفر الأمن بوجود الأجهزة الحكومية كالشرطة والجيش. يبدو أن هذا النمط الجديد
في حماية النساء والأطفالد أصبح متبعاً الآن في كثير من الحروب القبلية بولايتي جنوب وشرق دارفور.
في أغسطس 2013م عاد الصراع القديم على الأرض بين الرزيقات والمعالية على منطقة كليكي إلى الغرب من دار الرزيقات ولكن يسكنها المعالية العقاربة ويدعي ملكية الأرض كلا الطرفين وقبل أن تنفجر المعارك بينهما أخلى المعالية أسرهم من النساء والأطفال من منطقة النزاع بكليكي إلى مناطقهم في عديلة وأبو كارنكا حيث تتواجد كثافة القبيلة وإدارتها الأهلية. في أثناء معارك الحرب بين القبيلتين تم (إخلاء) كل أسر قبيلة المعالية من مدينة الضعين وتم إجلاء هؤلاء المواطنين بواسطة منظمة (اليوناميد) التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بالتعاون مع سلطات الولاية التي عجزت عن حفظ الأمن والنظام ، كان للزعماء التقليديين في القبيلتين دور بارز في اتخاذ هذا الإجراء وتنفيذه حفاظاً على حياة الأسر من نساء وأطفال. في مثل هذه الأحداث بدارفور والتي تعكس التطرف القبلي يلتبس الأمر ما إذا كان مثل هذا الإجراء بترحيل الناس من مناطق سكنهم ومعاشهم على أساس عرقي قبلي بتطهيرعرقي أم لا ؟ في نهاية الأمر يحتج الناس بأن هذا الإجراء فيه حماية للنساء والأطفال رغم أنه قبيح وممارسة لم يسبق أن تمت ممارستها من قبل في مجتمعات دارفور وأصبح هذا أحد المهام الجديدة للإدارة الأهلية..
المجموعة الثالثة هى التى تمت الإشارة اليها سابقا وهم مجموعة رفضت سياسة الحكومة وكذلك سياسة الحركات المسلحة وبقيت على شبه الحياد. هذه المجموعة استهدفت من أطراف الصراع ، الحكومة والحركات المسلحة فأصبحت عاجزة عن أداء دورها فى مجتمعها المحلى رغم أن الحكومات الولائية تستعين بها احيانا فى مؤتمرات فض النزاعات القبلية. هذه فى معظمها هى التى تم إستهدافها من قبل الحركات المسلحة فى بداية الصراع فى مناطق مثل محليات دار السلام وطويلة وكتم بشمال دارفور ومحليات السلام وثانية دليبة و بليل بجنوب دارفور .
أما المجموعة الرابعة والمهمة من القيادات الأهلية التقليدية تبلورت كحقيقة مؤثرة في حياة مواطنيها داخل معسكرات النازحين وخارجها من واقع أحداث العنف وتدافع مجتمعات دارفور خلال أكثر من عقد من الزمان جاءت هذه المجموعة في معظمها من القيادات الوسيطة في تنظيم الإدارة الأهلية الذي تآكلت قاعدته جراء الصراع في مراحله الأولى وذهبت قيادته إلى الوظائف السياسية تاركة خلفها فراغاً هائلاً في المجتمعات المحلية القبلية. هذه القيادات الجديدة جاءت كلها تقريباً من مجموعة العمد وبعض الشيوخ لتملأ الفراغ الذي تركه قادة الإدارة الأهلية . تميزت هذه المجموعة بالوعي والتعليم والالتصاق بقضايا مواطنيها خاصة في معسكرات النزوح في مدن الإقليم المختلفة كما تميزت أيضاً بالحيوية والانفتاح على منظمات المجتمع المدني الوطنية والأجنبية العالية وأصبحت لديها القدرة على طرح قضايا مواطنيها على مؤسسات الحكومة المحلية والولائية بل بدأت جاهدة في التفاوض والمساومات السياسية لحلحلة قضايا الصراع بدارفور ().
استفادت هذه المجموعة من القيادات الأهلية الفاعلة الآن وسط قاعدتها الأهلية في ورش العمل التي ظلت تعقدها منظمات المجتمع المدني داخل وخارج معسكرات النزوح بالإقليم واستطاعت أن تتسوعب المفاهيم الحديثة كحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والمواثيق الإقليمية والدولية في هذا الشأن الأمر الذي زودها بقدرات كبيرة في الدفاع عن قضايا مواطنيهم من الرجال والنساء رغم سياسات تضييق جهاز الأمن الحكومي وملاحقة نشاطهم داخل وخارج المعسكر ومحاولة تعتيم كثير من التجاوزات الخاصة بحقوق الإنسان والعنف ضد النساء . أوضح مثال لذلك التعهد الذي كتبه زوج إحدى شيخات المعسكر لرئيس وحدة أمن نيالا بتاريخ 27/4/2011م الذي جاء فيه " أنا رقيب شرطة ادريس يونس برام – زوج المدعوة/ عواطف عبد الرحمن يونس بأن المذكورة عواطف لن تعقد أي اجتماع داخل مكاتب اليوناميد أو خارجها وأن تبعد عن العمل السياسي وكتابة التقارير السالبة ضد الحكومة" اعتمد هذا التعهد رئيس وحدة الأمن بنيالا بتاريخ 27/أبريل 2011م().
هنا لابد من الإشارة إلى أن هذه المجموعة من قيادات الإدارة وجدت تنسيقاً وقبولاً من القيادات الأولى التي نشأت عند الضرورة في معسكرات النازحين من خارج أطر القيادات التقليدية وأطلق عليهم شيوخ التخطيط أو " تأكل عيش" كما تمت الإشارة إلى ذلك من قبل وقد تم تقسيم العمل بين المجموعتين بصورة سهلت لكل منهما القيام بعمله لخدمة مجموعته التي طحنها عنف الصراع بدارفور.
الآن هذه القيادات الجديدة التي خرجت من رحم مؤسسة القيادات التقليدية الإدارة الأهلية هي التي يمكن الاعتماد عليها وتقويتها في الظروف الراهنة في مجال حقوق الإنسان وحماية النساء والأطفال من العنف. لتوضيح الدور الفعال الذي تقوم به هذه المجموعة الجديدة من القيادات الأهلية سنورد أمثلة من واقع مجتمع دارفور الذى تغيرت ديمغرافيته السكانية من عنف الصراعات والحروب التى استمرت لأكثر من عقد من الزمان..
من واقع االظروف الجديدة التي أفرزها الصراع بدارفور في مرحلتيه الأولى والثانية تبدل الدور التقليدي التي كانت تقوم به مؤسسة القيادات التقليدية الأهلية. ذلك حين اندفع رؤساء مؤسسة الإارة الأهلية بالولاء واالتحالف مع النظام السياسي الإسلامي وذهبوا إلى قيادات سياسية وتنفيذية عليا في هياكل النظام ثمناً لهذا التحالف. شمل هذا من القيادات الأهلية السلاطين والنظار والمقاديم والشراتي كما ألمحت سابقاً أما قاعدة مؤسسة الإارة الأهلية من شيوخ القرى فقد ذهبت بهم الحرب إلى المدن وأشباه المدن بالإقليم مستجيرين بمؤسسات الحكم الأمنية وتركوا معظم أهلهم واتباعهم يلجأون إلى معسكرات النازحين في هذه المدن بالقرب منهم .
مع كل هذا التدهور الذي أصاب مؤسسة الإدارة الأهلية خرجت من صلبها قيادات أهلية جديدة تتمتع بقدر عال من المصداقية وسط أهلها استطاعت أن أن تقف بالقرب من قواعدها الأهلية في فترة محنة الصراع بدارفور. جاء معظم هؤلاء القادة من الشيوخ الجدد من القيادات الوسطى في هيكل الإدارة الأهلية التي تتشكل من العمد في كل إدارات القبائل المستقرة التي تمتهن الزراعة والبادية التي تمتهن الرعي وتربية الماشية . بجانب الوقوف مع أهلهم في ظروف المحنة التي ألمت بهم جراء الحرب تميز معظم هؤلاء القادة الأهليين بالوعي وبقدر من التعليم مكن لهم من فهم الواقع الجديد والتأقلم معه وشكلوا حلقة وصل بين أهلهم في معسكرات النزوح والمنظمات الإنسانية التي تقدم الخدمات للنازحين وكذلك الاتصال بالجهات الحكومية المسؤولة عن إدارة هذه المعسكرات كمفوضيات العون الإنساني وأجهزة الأمن والشرطة ، خاصة وأنهم جميعاً أصبحوا جزءاً من النازحين بحكم تواجدهم داخل المعسكرات وقد استعانت بهم المنظمات الإنسانية في تنظيم النازحين. في ظل هذه العملية التنظيمية برزت القدرات القيادية لأعضاء هذه المجموعة حتى صارت على رأس التنظيم الأهلي للنازحين في رئاسة اللجان المختلفة ونالوا ثقة أهلهم في القيادة فاعترفت بهم الحكومة كأمر واقع وبدأت في التعامل معهم بحكم تأييد النازحين لهم بينما رصفاءهم الأخرين من قيادات الإدارة الأهلية خارج المعسكرات تآكل نفوذهم وسط المواطنين وأصبحوا مجرد موظفين للنظام الحاكم في هياكل الإدارة الأهلية التي تكاثر عددها وانهارت جدواها.
نماذج القيادات الجديدة ودورها في حل قضايا المواطنين والمواطنات :
(1) العمدة صلاح الدين عبد الله حسن :
العمدة صلاح من قبيلة االبرقد التي تقطن إلى الشرق من مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفو وقد كانت قبيلة البرقد من قبل تابعة لمقدومية نيالا التي يقوم على رأسها مقدوم قبيلة الفور لكنها انفصلت أخيراً وأصبحت إدارة قائمة بذاتها. تولى صلاح عمودية قبيلة البرقد في منطقة لبدو وقد آلت إليه بالوراثة من أسلافه وهو شاب من مواليد 1970م ويواصل حالياً دراسته بجامعة نيالا. عند وقوع أحداث الصراع بدارفور اضطر كثير من البرقد بالنزوح إلى معسكرات النازحين بنيالا وكان ضمن هؤلاء المجموعة التي يتولى أمرها العمدة صلاح الدين فآثر أن يذهب مع أهله إلى معسكر كلمة بنيالا. تولى إدارة وتنظيم أهله بالمعسكر وعند ظهور قدراته القيادية تولى العمدة صلاح الدين مهمة رئيس مكتب تنسيق النازحين بولاية جنوب دارفور بجانب وظيفته كعمدة لأهله ورئاسة لجان أخرى بمعسكر كلمة. يقول أن العنف ضد النساء كان كثير الحدوث إلا أنه انخفض لدرجة ما بعد اتفاقية الدوحة 2010م وذلك لإحساس الناس بأن هناك سلام قادم كما أن معظم أعمال العنف الجسدي والجنسي ضد النساء بسبب خروجهن من المعسكر لمسافات بعيدة بغرض الاحتطاب أو الزراعة دون أن يكون برفقتهن الرجال خوفاً من القتل. في مثل هذه الحالات ينفرد المجرمون بالنساء ويتم التهديد ثم الاغتصاب وعمليات العنف الجسدي الأخرى وفي معظم هذه العمليات الإجرامية تقوم بها المليشيات القبلية التي تقوم بتسليحهم الحكومة كما أن حوالي 60% من شابات المعسكر يذهبن للعمل خارج المعسكر بمدينة نيالا للكسب ومعظم هؤلاء يعملن في المنازل كخادمات أو بيع الفحم و(القش) أو تقديم الشاي والأكل وبعضهن يعمل في الجنائن في الزراعة وتجهيز الأحواض أو في كمائن حرق الطوب للبناء وهو عمل شاق وكل ذلك لسد النقص في العيش لأسرهن خاصة بعد طرد المنظمات الإنسانية عام 2009م.
في نوفمبر 2010م وقعت حادثة اغتصاب لامرأتين في معسكر كلمة بنيالا ذهبن للزراعة شمال منطقة الريل شرق نيالا وكلاهما من قبيلة البرقد التي يرعى شؤونها العمدة صلاح الدين كما تم جلد نساء أخريات من نفس المجموعة. قام بهذه الجريمة مجموعة من أبناء قبيلة زغاوة ام كملتي حيث تم تهديد النساء بالسلاح وتم اغتصابهن مع جلد النساء الأخريات وتهديد الرجال الذين كانوا بصحبة النساء ، هؤلاء يصفهم العمدة بأنهم من جنجويد قبيلة أم كملتي. عند بلوغ االخبر قامت مجموعة من رجال البرقد ( بالفزع) ثم جاء أهل الجناة والتزموا باحضارهم. ثم تدخل في الأمر معتمد المحلية وعمد قبيلة أم كملتي الذين احضروا الجناة وقد اعترفوا بالجريمة. هنا تم طلب إجراء الصلح حسب العرف القبلي لتعهد عموديات قبيلة أم كملتي الثلاثة . وافق أهل المجني عليهن وتم اللاتفاق الأهلي الآتي :
1) علاج النساء المجني عليهن .
2) خسائر للزراعة .
3) اثنين بقرة ( جدعة) للبنات كتعويض لكل منهن (عجلة).
ثم اعتبر أن هذا عرفاً جديداً بين قبيلتي البرقد وأم كملتي للاغتصاب فقط. وقام العمدة صلاح الدين بضمان هذا الاتفاق الأهلي من جانب المجني عليهن بينما العمدة عبد الله العاجب هو الذي أصبح ضامناً للجناة بتنفيذ الاتفاق من جانب الجناة من قبيلة أم كملتي .
بالرغم من أن هذا الإجراء الذي أصبح عرفاً بين القبليتين لا يعوض الإهانة التي تعرضت لها المراتان إلا أن هذا خير من لا شيء كما يقول العمدة صلاح لأن لا توجد ثقة في متابعة الإجراءات القانونية في مثل هذه الحالات ومن القليل النادر أن تتعاون الأجهزة الرسمية من شرطة وأمن وأطباء .. الخ خاصة وأن هذه الحادثة شهدت تدخلاً من قبل معتمد محليلة بليل ومدير الشرطة ومدير جهاز الأمن وأن الجناة من مليشيات القبيلة الموالية للحكومة (13).
أما بالنسبة للناشطات في مجال حقوق المرأة بدارفور فإن هذا الإجراء العرفي فيه إجحاف بالضحايا من النساء كما أنه لا يشكل رادعاً قوياً للمجرمين في قضايا الاغتصاب بل يجب أن يقدم الجناة إلى الشرطة بقسم حماية الأسرة والطفل ويتم التحري معهم وإحالتهم للقضاء (14).
ومن الحالات النادرة تقديم عدد من المتهمين بجريمة الاغتصاب داخل مدينة الفاشر في عام 2012م برئت حالة وتم الحكم على اثنين من الجناة أحدهم بعشرين سنة سجن والآخر عشر سنوات ، وفي العادة حالات الاغتصاب التي تتم خارج المدن الكبيرة بدارفور لا تقدم إلى أجهزة الشرطة والقانون الجنائي (15)
هذا الأمر عموماً لدى النساء في أرياف دارفور يعتبر من العيب التقدم بالشكوى فيه لأن به نشر للفضيحة حسب العادات والتقاليد مما يوحي بأن هناك عشرات بل مئات حالات الاغتصاب بدارفور لا يتم الإبلاغ عنها حتى تلك التي تتم داخل معسكرات النزوح يتم التستر عليها ومعالجتها عن طريق الشيخات والنساء كبيرات السن لهذه المعسكرات وقد تجري بعض المعالجات العرفية لتخفيف غبن المجني عليهن وقد افاد بذلك عدد من شيخات معسكرات الجنينة بغرب دارفور (16).
(2) العمدة آدم يحي ضو البيت :
العمدة آدم يحي ضو البيت من قبيلة الفور من منطقة طويلة بولاية شمال دارفور. بتاريخ 24/11/2004م مع الهجوم الثاني لمنطقة طويلة بواسطة قوات الدفاع الشعبي التابعة للحكومة نزح العمدة آدم يحي وأهله إلى مدينة الفاشر وبقى الجميع في العراء حتى عام 2006م حين قامت منظمة (IRC) الأمريكية بالتعاون مع أجهزة الحكومة بإنشاء معسكر السلام في مرحلة إنشاء المعسكر تم اتفاق الموطنين للتحدث باسمهم والاتصال بالجهات المسئولة من المعسكر الذي حوى أكثر من 30 ألف نازح من عدة مناطق وعرقيات شملت الفور والزغاوة وبرتى ومساليت وميما وكنين وبرقو وتنجر من مناطق مختلفة شردتهم الحرب. في إطار تنظيم معسكر السلام للنازحين تم اختيار شياخات جديدة من الرجال والنساء وهؤلاء اختاروا آدم يحي ضو البيت ليكون عمدة لهم وقد كان في السابق قبل النزوح يعمل شيخاً في إدارة طويلة(17).
ثم أصبح رئيس المكتب التنفيذي لمعسكر السلام بالانتخاب من مشايخ وشيخات المعسكر وأخيراً أصبح رئيس اللجنة العليا للنازحين بولاية شمال دارفور ورئيس اللجنة الإقليمية للنازحين بإقليم دارفور . والعمدة آدم يحي على درجة عالية من الإلمام بمشاكل وقضايا النازحين ويشكل حلقة الوصل بينهم وبين الجهات الرسمية والإنسانية المعنية بحقوق النازحين .
في إطار التنظيم الداخلي لمعسكر السلام للنازحين يتولى العمدة آدم يحي رئاسة اللجنة العدلية وهي االتي تتولى فض النزاعات والنظر في القضايا الجنائية داخل المعسكر. وبالنسبة للنساء تنظر اللجنة برئاسته في قضايا العنف البدني مثل الضرب واستغلال البنات العاملات في الكمائن ويتعرضن للتحرش الجنسي كما أنه ينظر في كل قضايا الخلافات بين النساء وأزواجهن في مسائل النفقة وعدم أخذ شورى البنات في حالات الزواج وجرائم الزنا وغيرها. وهو يرى أن من مسئولية هذه اللجنة العدلية التي بها تمثيل للنساء بنسبة كبيرة ضبط السكوك وفق العادات والتقاليد الأخلاقية المتعارف عليها . وتركز اللجنة في الجزاءات الرادعة في حاللات الزنا والحمل سفاحاً وتصل العقوبة فيه عشرة مليون جنيه سوداني ويرغم الرجل الذي حمل البنت سفاحاً بالزواج منها أما في حالة ممارسة غير مشروعة يتم طرد الأسرة من معسكر النازحين وبالرغم من كل ذلك يرى أن الأسر القادرة على حفظ بناتها وأولادها لا يتجاوز 10% من الأسر وذلك بسبب الفقر خاصة وأن معسكر السلام به أكثر من 1400 يتيم و 2600 يتيم مثلهم في معسكر أبوشوك وأن عدد الأرامل بالآلاف . أما قضايا العنف الجنسي كالتحرش والزنا والاغتصاب فتتم معالجتها في اللجنة العدلية وفق الأعراف ولا تذهب إلى المحاكم (18).
(3) العمدة حسين اسحق يحي (ساجو) :
العمدة حسين ساجو يشكل بصورة واضحة مثالاً حياً للقيادات الأهلية الجديدة التي خرجت من صلب الإدارة الأهلية التقليدية فهو من فور سويني بجبل سي بشمال دارفور . نزح مع أهله وبقيادتهم إلى منطقة كورما عام 2003م ولم يصحبه في ذلك النزوح أي عمدة أو شرتاية آخر من القيادات التقليدية بالإدارة الأهلية بمنطقة جبل سي . وعندما اشتد الصراع وامتد إلى منطقة ريفي كورما نزح مرة أخرى إلى مدينة الفاشر عام 2004م إلى منطقة مشتل المدينة حتى تقرر إنشاء معسكر أبوشوك فساهم في تنظيم أهله وساعد في إنشاء معسكر النازحين ونظم الإدارة الأهلية مع آخرين. داخل معسكر أبو شوك الذي حوى 95 ألف نازح يشكل عدد النساء حوالي 70% من هذا العدد وفق إفادته. والعمدة ساجو بمهارته القيادية والتنظيمية تربع على رأس الإدارة الأهلية بالمعسكر وأصبح رئيساً لمحكمة العدالة التي تنظر في القضايا والمنازعات.لدفاعه عن حقوق أهله النازحين بالمعسكر واعتراضه على سياسات الحكومة تم اعتقاله في أغسطس 2009م ولم يتم اطلاق سراحه إلا يوم 2 ديسمبر 2012م وهو اعتقال سياسي كما يذكر (19).
لم يلتزم العمدة ساجو بإجراءات مكتب العدالة الروتينية بل أنشأ محكمة أهلية داخل المعسكر تتكون من اربعة أشخاص من الذكور واثنين من النساء(العاقلات)كبار السن للنظر مع مجلس الأجاويد في قضايا النساء. هؤلاء يحضرن محكمة الأجاويد ويأخذن أجورهن من الغرامات على قدم المساواة مع رجال المحكمة الآخرين (20).
يرى العمدة ساجو أن أكثر قضايا النساء تأتي في مسائل تعدد الزوجات وعدم التزام الرجال بالنفقة والصرف على المرأة الأولى وأطفالها وكذلك العدل بين الزوجات. كما أن الرجال يقومون بطلاق النساء ولا يلتزمون بالنفقة الشرعية وهؤلاء يطالبن بحقوقهن " في مثل هذه الحالات نقوم بانصاف المرأة بأن نسجن الرجل حتى يأتي أهل الرجل ويحصلون المبالغ المطلوبة حتى نعطيها للمرأة صاحبة الحق ".
في حالة حمل البنت سفاحاً نقوم نسال من الذي اعتدى عليها وحملها بالحرام وفي حالة عدم الإثبات والنكران نسال الأصدقاء والصديقات والصديق عادة ما يعترف بمعرفته بالجاني ويعترف نيابة عنه. في هذه الحالة نعرض عليه الزواج من البنت الحامل وفي حالة رفضه الزواج منها نجبره على دفع خمسة مليون جينه سوداني تدفع لأهل البنت ويسمى ذلك ( كسر بيت) ويقوم الجاني مع ذلك بأداء القسم على ألا يعود مرة ثانية لمثل هذا العمل والبنت تبقى في حالة العيب وتقل فرص زواجها في المجتمع. في العادة هناك ما بين خمسة لعشرة قضايا في مثل هذه الحالات شهرياً من الحمل بالحرام أما حالات الاغتصاب فقد تفشت بين المواطنين في القرى والحلال وهذه أتت مع الحرب في دارفور. ثقافة حرب – وهي تحدث في حالات الاحتطاب للنساء أو الذهاب من وإلى الأسواق وهذه دائماً تأتي من قبل حاملي السلاح من الحكومة أو الحركات المسلحة وهناك أمثلة كثيرة خلال هذا العام (21).
(4) العمدة محمود خالد محمد نور :
ينتمي العمدة محمود خالد لفرع النوايبة من قبيلة الرزيقات بشرق دارفور وهي من قبائل البقارة التي ساهمت لكبر حجمها وقيادة شيوخها في الماضي وحتى الآن بسهم وافر في تشكيل سياسة إقليم دارفور في مراحله التاريخية الحاسمة. في بداية الصراع بدارفور بين الحكومة والحركات المسلحة نأت قبيلة الرزيقات بنفسها من تحالف الحرب كما أنها وقفت ضد سياسة الحكومة بتفتيت إدارة القبيلة الأهلية لكل هذه المواقف اتخذ نظام الخرطوم عدة سياسات لإضعاف كيان هذه الإدارة الأهلية مثل إنشاء إدارات كثيرة موالية للنظام الحاكم وأخيراً إنشاء ولاية شرق دارفور أي ولاية دار الرزيقات وتعيين موظفين سياسيين بدءاً بالوالي ونائبه ثم الوزراء ومعتمدي المحليات كل ذلك فيما كان يعرف بمجلس ريفي دار الرزيقات.
في ظل هذا المناخ الجديد الذي جاءت به السياسات تآكل نفوذ القيادة الأهلية ممثلة في ناظر الرزيقات فآثر هذا الابتعاد عن المسئولية وتنازل عنها لابن اخيه وتفرغ لعبادة ربه ومسئولياته الاجتماعية في عزوف عن ممارسة السلطة في الظروف الراهنة. هذه المقدمة للإدارة الأهلية كانت ضرورية لشرح الدور البارز الذي دفع بالعمدة محمود خالد سعيه في محاولة منه لسد فراغ السلطة وسط أهله وهو مؤهل لذلك من حيث الحكمة والتجربة والتاريخ الأسري في إدارة فرع القبيلة وهو بهذا الدور الجديد الذي يحاول القيام به ينتمي إلى المجموعة الجديدة من قيادات الإدارة الأهلية الوسيطة الذين الذين تقدموا لتحمل المسئولية في النماذج السابقة حين دخلوا مع أهلهم إلى معسكرات النزوح.
في مجال حماية النساء من العنف قام العمدة محمود بدور بناء في الاتفاق بين قبيلتي الرزيقات والدينكا ببحر الغزال. "في حالة الحروب بين الدينكا والرزيقات هناك ثقافة مشتركة وهو ما يسمى بالكسب في الحرب وهو أخذ المال والنساء والأطفال بين الأطراف المتصارعة. وعند نهاية الحرب وعقد مؤتمرات الصلح والسلام يسترد كل طرف المال والنساء والأطفال أي ما يعرف "بالكسب". هذه الأعراف دمرتها الحركة الشعبية أثناء التمرد لكنها الآن عادت بين الأطراف بعد انفصال الجنوب وتكوين دولته.
"في المرحال الغربي لقبيلة الرزيقات اعتدت الحركة الشعبية على بادية الرزيقات في بلبلا وقتلت بعض الشيوخ وكسبت ثلاث نساء وأطفالهن. في يناير 2013م قام فزع من الرزيقات فارجع بعض النساء والأطفال وقتل بعض االدينكا. ثم تجمع العرب في بلبلا وهجموا على معسكر الحركة الشعبية في كركري وتم اختطاف 127 امرأة و 15 أخرى من نساء وأطفال بينما ذهب الدينكا بنساء الرزيقات إلى واو. جرت الاتصالات بين قبيلة الرزيقات والحركة الشعبية فتحركت أنا شخصياً واستلمت نساء الرزيقات بأطفالهن كما قمنا من طرفنا بإراجع خمسة عشر امرأة وأطفالهن للدينكا. في مارس 2013م تم عقد اجتماع آخر بحضور نائب حاكم منطقة أويل وطالب الدينكا بعدد 90 امرأة . الآن تم تجميع 127 امرأة وطفل من الدينكا في مدينة الضعين وسأقوم خلال هذا الأسبوع بالسفر مع نساء الدينكا إلى واو إيفاءاً للوعد الذي قطعته للدينكا وتسليمهم النساء والأطفال بواسطة الهلال الأحمر السودانى.(22)
كما أن العمدة خالد توسط في مؤتمر الصلح بين قبيلتي الهبانية والرزيقات عام 2005م في اختطاب ثلاث بنات من قبيلة السلامات بإدارة الهبانية. لاحقاً في مؤتمر الصلح الذي عقد بين القبيلتين عقدت جلسة منفصلة بشأن هؤلاء البنات اللائي تم اختطافهن من قبل وتم التوافق بين أعضاء اللجنة على دفع الرزيقات الذي قام افراد منهم بالاختطاف عشرة مليون جنيه سوداني تذهب تعويضاً لأهل البنات اللائي لحق بهن الأذى .(23)
يشترك هؤلاء القادة الأهليين الجدد جمياً بأنهم خرجوا من صلب مؤسسة الإدارة الأهلية بدارفور ومن هيكلها الوسيط الذي ظل يعتمد على وظيفة العمودية منذ إنشاء هذه المؤسسة بواسطة الإدارة البريطانية في العقد الثالث من القرن الماضي.
ظلت هذه الوظيفة (العمودية) هي التي تربط الهرم الإداري الأهلي بين قاعدته من الشيوخ في القرى والفرقان والحلال وقمته التي يتربع عليها السلاطين والمقاديم والنظار والشراتي .
كما يشترك هؤلاء القادة بأنهم جميعاً يعملون وفق الأعراف الأهلية المحلية التي تواضع عليها المجتمع القبلي الأهلي وذلك في معالجتهم لجميع القضايا التي تنشأ بين الرجال والنساء ورغم أن المعالجات العرفية الخاصة بالنساء كالاختطاف والاغتصاب والتحرش الجنسي وغيرها قد لا تكون منصفة للنساء المجني عليهن كما أنها ليست رادعة للجناة إلا أنها تظل خير من لا شيء في ظل صمت النساء والمجتمع حيال هذه الجرائم بحكم أنها فضيحة وعيب ولا يجوز التشهير بها أو فضحها الأمر الذي يحتاج دون شك إلى تدخل ومعالجة.
أيضاً يشترك هؤلاء القادة جميعاً بالوعي والإدراك لحقوق الإنسان والمفاهيم الحديثة المتعقة بها خاصة بعد تجربة النزوح وبأعداد هائلة داخل معسكرات النزوح والتعرض من خلال الاحتكاك بالمنظمات الأهلية الأجنبية والوطنية لمفاهيم حداثية مثل حقوق الإنسان والمواطنة وحقوق المرأة والطفل وهذا الوعي هو الذي يميزهم عن بقية زملائهم في مؤسسة الإدارة الأهلية التقليدية .( 24)
وأخيراً يشترك هؤلاء من خلال تجربة سنوات الصراع بدارفور التي امتدت عقداً كاملاً من السنين بالمعرفة بهياكل الإدارة الحديثة الوطنية والإقليمية والدولية وآلية الاتصال بها وطرح القضايا الأهلية والحلول المناسبة لها وهي خبرات ومعارف حديثة لشاغلي وظائف الإدارة الأهلية التقليدية ما قبل أحداث الصراع بدارفور في 2002م( ).كما انهم بجانب تصديهم ومعالجتهم للقضايا التى نتجت عن حالات الصراع والحروب القبلية ظلت مساهماتهم فى المجال العرفى التقليدى بمجتمع دارفور فى مجال (الجوديات) ومؤتمرات الصلح القبلى مساهمات مقدرة وهذا النمط من رجال الإدارة الأهلية الجدد قد يشكل مرحلة انتقالية لمرحلة جديدة فى هياكل وأداء ودور هذه الإدارة مستقبلا فى دارفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.