لم تجردهم الحرب الدائرة في بلدهم من موطنهم فقط، بل خرج السوريون فارين من جحيم الحرب التي تسرق حياتهم إلى رحلة الموت حتى بلاد اللجوء. فبعدما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولم يعد وطنهم الذي لا صوت فيه يعلو على صوت الموت يتسع لهم، خرج من استطاع من السوريين بحثاً عن موطن وبلد يلجؤون إليه. طرق غير مشروعة، وتكلفة باهظة، وحياة مهددة، قليل من كثير يتجرعه السوريون في طريق لجوئهم إلى مصر بالطرق غير الشرعية بعدما أوصدت مصر أبوابها أمامهم. – رحلة الموت أحمد التلجبيني، مواطن سوري خمسيني العمر من مدينة حلب، يروي ل"الخليج أونلاين" رحلة لجوئه إلى مصر عبر السودان، وما لاقاه من معاناة وألم بدني ونفسي خلال الرحلة. يؤكد أن رحلة لجوئه إلى مصر كلفت أكثر من أربعة آلاف دولار، منذ خروجه من سوريا مروراً بتركيا، حتى وصل إلى السودان ومنها إلى مصر، لافتاً إلى أن عدم سماح السلطات المصرية بدخول السوريين بشكل رسمي لمصر يدفعهم إلى استخدام الهجرة غير المشروعة عن طريق السودان. يقول التلجبيني: "بعد معاناة وقهر في الأراضي التركية للحصول على ثمن تذكره الطائرة للوصول إلى السودان لأنعم برؤية أطفالي الخمسة الأيتام، الذين حُرموا من والدتهم في أحداث سوريا، واستطعت نقلهم إلى مصر منذ ثلاث سنوات في بداية الثورة، وصلت إلى السودان وأنا لا أملك قوت يومي، ولا أعلم إلى أين أذهب أو أين أنام، وأنا وحدي في دنيا تتخبط دون رحمة أو شفقة، وأحاول أن أتقرب إلى أي شخص أسمعه يتكلم بلهجتي السورية". وتابع: "تواصلت مع أشخاص سوريين فور وصولي إلى السودان ودلوني على من يستطيع توصيلي إلى مصر، إلا أني فوجئت أنه طلب مني مبلغاً مالياً كبيراً وأنا لا أملك منه دولاراً واحداً". وأشار التلجبيني إلى أنه عمل في أحد المطاعم بالسوادن لمدة أربعة أشهر ليستطيع جمع المبلغ المالي المطلوب منه لدخوله إلى مصر، متابعاً: "بمساعدة بعض السوريين بالسودان وما استطعت توفيره من عملي، أمّنت خمس مئة دولار، دفعتها لأحد السائقين ليقوم بتهريبي إلى مصر". وأوضح أن السائق طلب منه الجلوس في صندوق الخردة بالسيارة طول الرحلة التي استمرت أسبوعاً كاملاً، قائلاً:" رأيت الموت أمام عيني أكثر من مرة خلال الرحلة، فبالإضافة إلى ضيق المكان الذي طُلب مني الجلوس فيه لم أخرج منه طول الرحلة، ولم أر النور رغم أني تعرضت للاختناق أكثر من مرة". وأردف التلجبيني: " بعد معاناة وصلت أسوان، وأنا لا أملك جنيهاً واحداً ولا أجد ما أسد به جوعي وعطشي، ولا أملك ثمن تذكرة القطار المتجه للقاهرة ورغم ذلك ركبت القطار، وعندما سمع شاب مصري قصتي وأنا أرويها لمفتش التذاكر تبرع لي بتذكرته التي وصلت بها للقاهرة، حيث وجدت أولادي بانتظاري بالمحطة". – المنافذ الشرعية مغلقة في السياق أكد مدير فريق الطوارئ السوري التطوعي، ياسر الحلاق، أن الدخول إلى مصر عبر المنافذ الشرعية بات أمراً مستحيلاً، وإن حدث يتم دفع مبلغ مالي كبير من خلف الستار يصل إلى ثلاثة آلاف دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة للكثير من السوريين محدودي الدخل. وأشار في حديثه ل"الخليج أونلاين" إلى أن عدم وجود تأشيرة أو موافقة أمنية لدخول السوريين إلى مصر يدفعهم إلى البحث عن الهجرة غير الشرعية للدخول إليها. – الدخول من السودان ولفت الحلاق إلى أنه لا طريق للسوريين إلى مصر إلا عن طريق السودان، مشيراً إلى أن عدد السوريين بمصر في تناقص بسبب عمليات توطين اللاجئين في أمريكا وكندا وعدد من الدول الأخرى. متابعاً: "السوريون الذين خرجوا من مصر إلى أوروبا يتمنون العودة إليها مرة أخرى؛ لأنها تمثل خياراً استراتيجياً لهم رغم الظروف الاقتصادية السيئة التي تعاني منها، ورغم التضييقات التي تمارسها الحكومة بحقهم". وألمح مدير فريق الطوارئ السوري إلى أن طريق وصول السوريين إلى ليبيا مغلق، فلا يكون أمامهم سوى السودان ممراً للدخول إلى مصر عبر الحدود بين البلدين، عن طريق الدخول في الغابات والجبال الحدودية. وبيّن أن رحلة اللجوء من دمشق إلى محطة مصر في رمسيس عن طريق السودان تتكلف من 700 دولار إلى 800 دولار، ومن ثم يقوم السوري بتسليم نفسه إلى مفوضية اللاجئين بمصر ويُعلمهم بلجوئه. وذهب الحلاق إلى القول إن الكثير من العائلات يتم اعتقالهم بينهم سيدات وأطفال على الحدود أثناء محاولتهم الدخول، ويكون أمامهم إما أن تقوم قوات الأمن المصرية بترحيلهم إلى سوريا أو إعطائهم فرصة للتسجيل في مفوضية اللاجئين. – سوريون قيد الاعتقال في مصر من جانبه لفت مدير مكتب الائتلاف السوري المعارض بالقاهرة، عادل الحلواني، إلى أنه لا يوجد عدد دقيق للسوريين الموجودين في مصر، فبحسب مفوضية شؤون اللاجئين يتراوح عددهم بين 120 ألفاً إلى 125 ألف شخص. وفي حديثه ل"الخليج أونلاين" أشار إلى أن عدد السوريين في مصر قد يصل إلى 300 ألف سوري، وأن عددهم يتأثر بحسب إمكانية الدخول والخروج من مصر. وأكد الحلواني أن نسبة قليلة جداً من السوريين يدخلون مصر عبر المنافذ والمعابر الرسمية، وبحسب الحالات الإنسانية المحدودة للغاية، متابعاً: "أما النسبة الكبرى من اللاجئين فإنها تدخل عبر المنافذ غير الرسمية عن طريق السودان". وألمح إلى أنه لا يوجد رقم دقيق حول عدد السوريين الموجودين في السجون المصرية، لافتاً إلى أن الأرقام الرسمية تؤكد وجود 132 سورياً في سجون مصر. كما لفت مدير مكتب الائتلاف السوري إلى أن الائتلاف يقوم بشكل شبه يومي بالتواصل مع الخارجية المصرية ومسؤول الملف السوري في الأمن الوطني (أمن الدولة)؛ للنقاش حول السوريين الموجودين بالسجون المصرية. وتابع قائلاً: " كما نتابع أوضاع السوريين السجناء في مصر مع مفوضية شؤون اللاجئين والصليب الأحمر"، مشيراً إلى أن أغلب حالات التوقيف في مصر تكون بسبب الهجرة غير الشرعية، أو الإقامات غير الصحيحة، أو الجوازات غير الصحيحة. الخليج اونلاين