حاج الطيب رجل ستيني يُمضي كل نهاره جالسًا على ماكينة خياطة يعتمد عليها في تحصيل ما كُتب له من رزق، سألته كيف تنظر لإصرار الحكومة على رفع الدعم عن المحروقات؟ باغتني بحزمة من الأسئلة يبحث هو الآخر لها عن إجابات، منها «يعني ح يزيدوا البنزين والجاز والغاز؟ قلت هذا جوهر القرار.. قال لو داير اركب المواصلات ادفع خمسة جنيهات عشان اوصل؟ ومضى وهو يسأل دون أن يسمح بالإجابة.. بكم تصير أسطوانة الغاز؟؟ ثم أصدر حكمه مباشرة وقال.. ديل ببالغو !!». وفي توقعات أخطر لتأثيرات اتخاذ مثل هذا القرار على فئات عديدة للوقود علاقة مباشرة بنشاطها يعتبر المزارعون أن رفع الدعم عن المحروقات يعني انهيار الزراعة تمامًا ويتوقعون حال اتخاذ الحكومة القرار أن يدخل كل المزارعين في خسارة كبيرة الأمر الذي يهدد العمل فيها، وبالتالي يتوقعون أن تصبح الزراعة من المجالات الطاردة، ووصف رئيس اتحاد مزارعي الحدود الشرقية بولاية القضارف أحمد ابشر في حديث ل«الإنتباهة» القرار في حال تطبيقه بالكارثي على الزراعة وقال: «ستصبح الزراعة مهنة بلا جدوى وسيؤدي بالطبع لانهيارها»، وأشار إلى أنه وقبل اتخاذ القرار ونتيجة للمتغيرات الاقتصادية التي تمر بها البلاد فإن المدخلات الزراعية وارتفاع أسعارها كان له أثر واضح على الإعداد للموسم الزراعي فكيف سيصبح الأمر بعد رفع الدعم؟ ودعا أبشر إلى ضرورة تحديد سعر خاص للمواد البترولية الخاصة بالزراعة حال طُبِّق القرار، بينما عد سكرتير الاتحاد حيدر القرار بمثابة خروج للدولة تمامًا عن دعم العملية الزراعية، وقلل من قيمة الدعم المقدم أصلاً وقال ل«الإنتباهة»: «بالرجوع لأسعار الوقود العالمية نعتبر أن سعر الوقود في السودان غير مدعوم وليس صحيحًا أن هناك دعمًا بالمعنى الحقيقي».. وسبق مزارعي الشرق في توصيف آثار القرار على المواطنين اتحاد عمال ولاية الخرطوم عندما قال للزميلة «ألوان» أمين علاقات العمل بالاتحاد آدم فضل «إن أي إجراء لرفع الدعم عن المحروقات ح يودي البلد في داهية». ويرى كثيرون أن القرار المرتقب لا يمثل المخرج الصحيح للبلاد من الأزمة الاقتصادية ويقولون إن رفع الدعم يعني تحميل المواطن البسيط عبء الإخفاق والفشل الاقتصادي. القرار الذي يبدو أنه وجد تأييدًا واسعًا من الحكومة والوطني وحلفائه والبرلمان الذي ينتظر إجازة القرار من قبل مجلس الوزراء وتحويله للبرلمان وجد انتقادات عنيفة من الكتاب والصحفيين وتحذيرات شديدة من مغبة نتائجه وهددت المعارضة حال اتخاذ القرار بالخروج في تظاهرة إلى الشارع حتى وإن لم يخرج الشعب وهو التهديد الذي سخرت منه نائب رئيس البرلمان سامية أحمد محمد أمس الأول عندما قالت: «إن الشعب السوداني واعٍ ويفرق بين الحق ومن يصطاد في الماء العكر»، وأضافت: «المعارضة تتحدث لأنها معارضة ولكن الذي يهتم بعيش المواطن وعليه توفير الدواء له تحمل المسؤولية كاملة ويبحث عن الحلول» وأقرت بأن البرلمان لم يرفض القرار مطلقًا ولكنه اشترط رفع الدعم تدريجيًا وقالت إن البرلمان له إضافاته التي تسهم في تسيير الاقتصاد إلى الأفضل وتعهدت بتقوية صناديق الضمان الاجتماعي لحماية الشرائح الضعيفة، ورأت أن رفع الدعم سيفسح المجال للقطاع الخاص للتحرك وزيادة الإنتاج. الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد حاليًا جراء خروج البترول من الميزانية وما صاحب ذلك من ارتفاع في الأسعار وتدهور في سعر الجنيه مقابل ارتفاع كبير في سعر الدولار وسعي الحكومة للخروج عن طريق تجريب واتخاذ الكثير من السياسات التي من بينها رفع الدعم عن السلع وفي مقدمتها المحروقات وجدل الحكومة ومؤسساتها من طرف والمعارضة والمواطن في الطرف الآخر تشبه إلى حد كبير ما حدث من ظروف وجدل نهايات حكومة مايو والسياسات التي اتخذتها الأمر الذي أدى في النهاية لتذمر المواطن وخروجه إلى الشارع بعد أن رأى عجز حكومته عن إيجاد مخرج سواء رفع الدعم عن السلع وزيادة الأسعار مما اضطره لمحاولة وضع حد للحكومة نفسها عندما قال الرئيس الراحل جعفر نميري في خطابه الأخير في البرلمان أمسية 26 مارس 1985م «عليكم أن تعرفوا أن الأسعار ارتفعت لأن سعر الجنيه انخفض ولأني رفعت الدعم عن جميع السلع.. لقد فعلت ما لم تستطع مصر أن تفعله». الهميم بعدالرازق