كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود عبد العزيز ..... مات أم قتلوه
نشر في سودان موشن يوم 30 - 01 - 2013

اليوم وبعد مرور أكثر من أسبوع على وفاة المطرب محمود عبد العزيز ، فبالإمكان المطالبة بفتح بعض الملفات ، ودراسة الكثير من الأوراق المتعلقة بأسباب الوفاة ؛
لاسيما وأن مدير مكتب متابعة شئون المرضى بمستشفى إبن الهيثم الأردني الدكتور "عمرمحمود" ؛ قد أكد في مقابلة هاتفية على اليوتيوب مع ناشطة إعلامية في موقع إلكتروني . أكد لها أن حالة محمود عبد العزيز عند وصوله المستشفى الأردني كانت متأخرة جدا ،
حيث كان مصابا بفشل عام في جميع وظائف الجسم ، وهناك نزيف حاد في الدماغ سببه السيولة العالية في الدم ... وأن القلب فقط هو الذي يعمل (كانت هذه المحادثة مؤرخة في 14 يناير 2013م) . وأنه لو كان قد جاء للمستشفى قبل أسبوع فقط من تاريخه لربما كان هناك سبيل لإنقاذ حياته .... كما نفى الطبيب المذكور أية أسباب ومضاعفات متعلقة بتعاطي مخدرات رداً على سؤال مباشر لهذه الناشطة الإعلامية يتعلق بهذا الجانب.
ومع قناعاتنا بأن لكل أجل كتاب إلا أن هذا لايعني أن نفقد الأمل وأن نضع أيدينا على الخد . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعقلها وتوكل".
وعليه فمن الحق أن يظل باب التساؤل مشرعا وملف التحقيق مفتوحا والتعمق فيه واجبا مستطابا ، بداية من المستشفى الذي أجرى فيه محمود عبد العزيز العملية الجراحية وهو "مستشفى رويال كير" في الخرطوم ؛ مروراً بقرار نقله بعد طول تردّد و لت وعجن وإنتظار ، وإنتهاءاً بوفاته في مستشفى إبن الهيثم بالأردن.
لاشك في أن العملية المتسرعة لإزالة القرحة قد أدت إلى المضاعفات الخطيرة التي أصابت المرحوم .. ويبدو أنه تم حقنه بجرعات متزايدة من مخثرات الدم لإيقاف النزيف الذي حدث في المعدة أثناء العملية . أو بإختصار شديد أن الذي جرى لمحمود عبد العزيز إنما مردّه إلى قلة خبرة الطبيب وفشله في التعامل السليم مع نزيف طاريء في المعدة خلال الجراحة من جهة ، وجلطات في الأوعية العميقة خاصة تلك التي في الساق ؛ مما أدى إلى زيادة سيولة الدم عن الحد وحدوث أكثر من جلطة مما أدى إلى تعطل ثم فقدان أعضاء الجسم الحيوية لوظائفها الواحدة تلو الأخرى ..... وهذه دائما بالإضافة إلى الجرعات المتزايدة من البنج والأخطاء المصاحبة له ؛ ومنها على سبيل المثال إستخدام أنابيب فارغة أو منتهية الصلاحية أو تحتوي على أنواع أخرى من الغازات السامة . نرى هذه هي الظاهرة السائدة منذ فترة ليست بالقصيرة في تاريخ الجراحة السودانية ........
وأهم أسباب هذه الظاهرة هو الإهمال والإستخفاف والتداول الهمجي للسلندرات والوصلات ... ولا يفوتنا ذكر التيتانوس الناتج عن التلوث ..... أو بما يحصر المسألة برمتها دائما وأبداً في قلة خبرة معظم الجراحين الآن والإهمال والإستخفاف ،،،، والإطمئنان التام إلى عدم وجود تدقيق ومراجعات وتحقيق ومساءلة .. وهي إن وجدت إنما يروح ضحيتها من لا ظهر له من الأطباء والطاقم الطبي من مساعدين وممرضين وخلافه.
ومن جهة أخرى يستغل الأطباء خاصة ، والمستشفيات بأنواعها عامة السلخانية الخاصة منها أو الحكومية المهملة .. يستغلون طيبة الشعب السوداني وسماحته وإيمانه بقضاء الله وقدره ، ومتلازمة الحياء الكامنة فيه ، وإنعدام ثقافة تقديم الشكاوى القانونية في ساحات المحاكم ضد إهمال الطبيب وإستهتاره وتقصير المستشفيات ، والمطالبة بتعويض.
ولكن وبرغم هذه الطيبة والسماح والحياء .. وفيما يتعلق بحالة محمود عبد العزيز خاصة ؛ نجد أن الذي يقابلها في الجانب الآخر هو محاولات مستميتة للتملص من المسئولية ، ودس السم في العسل ، والإيحاء عبر إستغلال الإشاعات المرسلة المتداولة والكلام المعووج في أفواه البسطاء بما ينحرف معه الإنتباه إلى شبهات مخدرات وإيدز وكبد وبائي في حق المرحوم . أو محاولة نفض الأيادي من المسئولية بتعليق الجرس في رقبة القط الأردني ، بتركيز الحديث عن حالة محمود عبد العزيز عند وصوله للأردن تارة ، و تلك الصور التي ألتقطت له في العناية المركزة والمشرحة تارة أخرى ... ولكن تظل مثل هذه المحاولات المدفوعة الأجر ساذجة غير مقبولة ولن تنطلي على أحد ... ولو كان محمود عبد العزيز في حالة مستقرة لما تم نقله من الخرطوم إلى الأردن .. ولو كان الراحل في حالة مستقرة لما إستدعى الأمر تدخل جهاز المخابرات السوداني وتبرعه مشكوراً بطائرة خاصة للتعجيل بنقله ...... وهو القرار الذي جاء للأسف متأخراً جداً وبعد فوات الأوان.
الذي أثار الشكوك في رغبة جهة طبية ؛ أو جهات رأسمالية أخرى نافذة في التعتيم على أسباب وملابسات وفاة محمود عبد العزيز ؛ أنه وخلال لقاء تلفزيوني في قناة النيل الأزرق الفضائية (برنامج مساء جديد) . بدأ أحد أصدقاء الراحل المقربين وهو الصحفي "هيثم كابو" في التحدث بتأثر واضح ومرارة عن ملابسات وفاة محمود عبد العزيز المأساوية .
فذكر أنه دخل المستشفى في السودان لإجراء جراحة بسبب إلتواء طفيف في المصارين . ولكن وبعد الفراغ من العملية وخلال الأيام التي أعقبتها بدأت حالة محمود عبد العزيز تسوء بدرجة مذهلة ، وتطورت إلى فشل كلوي وتوقف في وظائف الكبد والجسم .. وظل الحال على هذا المنوال دون أن يتخذ الأطباء قراراً واضحاً حاسما بأن حالته تستدعي نقله خارج السودان ...
ظل ضيف البرنامج الحاضر داخل الأستديو الصحفي هيثم كابو يتحدث ويسهب ويكشف النقاب تلو النقاب ويكاد يقترب من الحدود الفاصلة لتوصيفه للإهمال الذي حدث ؛ ثم وفجأة ؛ إذا بمقدمة البرنامج التي كانت تستمع إليه وقتها بفضول وشغف تلميذة مرحلة الأساس النجيبة . إذا بها تقاطعه فجأة وتوقفه عن مواصلة الحديث بإصرار ملحوظ . وكانت ملامح وجهها تؤكد أنا تلقت أوامر صارمة مشددة من المخرج يطالبها فيه بمقاطعة الصحفي هيثم كابو ومنعه من الإسترسال في الحديث .. وبالفعل تدخلت المذيعة وأعلنت بطريقة غير لائقة عن فترة توقف لم تكن في محلها. والشيء المتعارف عليه أن ضيوف البرامج الحوارية داخل الإستديو ، لاتتم مقاطعتهم من جانب مقدم البرنامج بهذه الطريقة الغير لبقة .
ثم فوجئنا بعد الفاصل أن هيثم كابو لم يواصل سرده ؛ لينتقل الحديث إلى محطات مواساة ومجاملات أخرى عمومية لا تتصل إتصالا جوهريا مباشراً بأسباب وفاة محمود عبد العزيز بقدر ماكانت متعلقة بإيحاءات من قبيل "أذكروا محاسن موتاكم" ، ودور جهاز المخابرات في توظيف الراحل لتكريس المواطنة في صدور وأفئدة النشء ... ثم وليخرج الجميع بعدها بنتيجة "لم ينجح أحد".
ترى ماهي التفاصيل التي كان يرغب هيثم كابو في سردها (على الهواء) قبل أن تقاطعه مقدمة البرنامج بأوامر من المخرج؟ .. ومن هو الرقيب الذي كان يحمل السيف الهندي والخنجر اليماني ويجلس إلى جوار المخرج؟ .. ماهي المصلحة ولماذا هذه الرغبة في التعتيم ووضع الغطاء على الماعون المكشوف؟؟؟
الكلام الذي كان يرغب الصحفي الشاب "هيثم كابو" في البوح به كان فيه إدانة لتردّد الكادر الطبي بالخرطوم في إتخاذ قرار نقله للأردن ..... ولو كان القرار قد أتخذ في الوقت المناسب لما كان الذي جرى قد حدث بهذه السرعة المفاجئة . ولربما كان بالأمكان إنقاذ حياة محمود عبد العزيز رحمه الله....
وعلاقة الدولة بمحمود عبد العزيز لم تكن هي الأخرى على ما يرام ، والثقة لم تكن متوفرة . فهو قد سارع بعد توقيع إتفاق نيفاشا للإنخراط في عضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان ... ثم أنه قد تعرض للقبض خلال إحيائه لسهرة خاصة أعتبرت مشبوهة ، على الرغم من أن إحياء المطربين للسهرات الخاصة متعارف عليه منذ الأزل .. وقد كان قرار المحكمة وقتها إدانته وجلده 80 جلدة ....
الأمور تبدو متشابكة ... ولاندري لماذا كان الإرجاء لمدة أكثر من أسبوع ما بين دخول محمود عبد العزيز في غيبوبة إلى حين نقله للأردن ؟؟؟ هل كان السبب في جانب آخر هو عدم وجود أموال سائلة تغطي مصاريف نقله ؟؟ .... أين إختبأ منتجو ألبوماته الغنائية إذن ؛ ومن أي الشبابيك قفزوا للخارج ؟؟ ولماذا لم تتدخل رئاسة الجمهورية بإتخاذ قرار نقله في الوقت المناسب وبأسرع ما يمكن على نفقة دافع الضرائب السوداني الذي يضم الملايين من معجبيه؟ .... ألم يكن المرحوم يستحق هذا بوصفه شخصية عامة وثروة وطنية وفق مقاييس هذا الزمان ؟؟ ألم يكن من الأجدر أن تحترم الحكومة فيه مشاعر مواطنين لها هم ملايين الشباب من معجبيه؟؟ ..... هل كان إتخاذ قرار بإهداء لاعبي منتخب كرة القدم المصري سيارات وحشو جيوبهم بالدولارات أسهل وأكثر وطنية من إتخاذ قرار بنقل محمود عبد العزيز إلى الأردن وعلاجه على حساب الرئاسة؟
فإذا كانت الحكومة سلحفائية ؛ ولا تجد من بين مستشاري رئيس الجمهورية الناصح الأمين النشيط أو من يتعقّب ويتابع ويهتم ويلتفت وينصت لكل شاردة وواردة في ساحات وزوايا البلد ، ويعمد إلأى تقييم كافة الجوانب وردود الأفعال المباشرة والجانبية التي تمس تعاطف الشعب . فأين أولئك التجار من منتجي ألبوماته الذين حصدوا المليارات من مبيعات أغانيه؟؟ أين إختفوا ولماذا هربوا وذابوا كالملح في الماء وبهذه السرعة الصاروخية؟؟ لماذا تنكر هؤلاء لمحمود عبد العزيز ؛ وهو الذي كان لهم ولخزائنهم المتخمة من عرق جبينه بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا ؟؟
هناك شللية ... هناك محسوبية .... هناك تناقض ما بين الأقوال والأفعال ... هناك إهمال ... هناك كسل .... هناك إستهتار .. هناك إستخفاف .. هناك إنشغال بجمع الغنائم والسبايا ..... هناك وهناك وهناك .... هناك صناعة فشل حقيقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .... كل هذا وأكثر منه أصبح ديدن العصر في السودان دون خشاء أو حياء وعلى عينك يا تاجر . والذي لايشتري يتفرج . والذي لايعجبه يركب لوري سفري ويذهب إلى سواكن ليشرب من البحر المالح .....
والمتحدث عن الإهمال والإستخفاف والإستهتار وصناعة الفشل في هذه الأيام بات كمن ينفخ في قربة مقطوعة ... ولكن برغم ذلك يظل الحديث مفيدا ومطلوبا حتى يسجل التاريخ غداً صناعات الفشل الجارية اليوم ..... علّ وعسى أن يكون في ذلك عبرة لمن يعتبر ؛ وكذلك من لايعتبر.
والإهمال والتسيب والإستهتار والإستخفاف بمشاعر وحاجات الناس وأرواح الناس تظل جميعها محصلة وإحدى المخرجات السلبية لقرارات الصالح العام سيئة الذكر ، والواسطة والمحسوبية الجارية ، والإصرار على وضع الرجل الغير المناسب في المكان الغير مناسب ، ناهيك عن سياسات التعليم الفاشلة. وفتح الأبواب على مصراعيها للتعليم الجامعي الخاص برغم مايعانيه من تواضع الإمكانيات والتجهيزات والثغرات والثقوب في شروط القبول .
هذا التعليم الخاص الذي يكون المال أو النفوذ الرسمي لولي الأمر أحدهما أو كلاهما الفيصل الوحيد في إلتحاق خريج الثانويات بكليات حساسة مثل الطب والهندسة ؛ يترتب على سمات الدلع والإستهتار والإستخفاف في مخرجاتها البشرية إلى ضياع الأرواح وهدر الدماء نتيجة خطأ التشخيص والأخطاء الجراحية والإسعافية. وتكون النتيجة في النهاية الطلب من أهل المريض تسفيره للأردن ، فإن لم يستطيعوا فإخراجه من المستشفى ، وتركه يموت على سرير بيته ولسان الحال يردّد:- ألا لاطابت أجساد الفقراء.
بالأمس القريب كان من يتخرج من كلية الطب يلزمه عبور أبواب كثيرة من التدقيق والغربلة والفلترة قبل أن يتخصص أو يمسك مبضع الجراح ، وإلا فإنه يكتفي بأداء وظيفة الطبيب العمومي .... وكما يقال فقد كان الإخصائي وقتها لا تتاح له فرصة التخصص إلا بعد سن الخامسة والثلاثين .
أما اليوم فإنك عادة ما تشاهد أشباه الغلمان والمراهقين وهم يحملون في اليد اليسرى شهادات التخصص وفي اليد اليمنى الآيفون وعلى الأذن سماعة أل MP4.. وحين تسأل عن أسرار ذلك يتضح لك أن الجراح (الكبير) الذكر منهم والأنثى إبن مغترب في الخارج ؛ أو نجل سياسي تنظيمي نافذ الكلمة ، أومسئول تنفيذي أو سمسار وغاسل وسارق أموال عامة .. وأنه قد تخرج من الثانوية ثم الجامعة بقوة دفع الدروس الخصوصية المكثفة على يد أمهر المدرسين والأساتذة ، وأنه بحسب النظام البريطاني والأمريكاني والفلتكاني قد إلتحق بكلية الطيب وعمره يبلغ بالكاد 16 سنة ، وأنه تخرج ثم واصل دراسته للتخصص في لندن وأمريكا وماليزيا .... ودكاكين العاصمة المثلثة الطبية .. ثم أتانا (وبراءة الأطفال في عينيه) يضع في عنقه السماعة ويحمل مبضع الجراح بين أنامله الناعمة الصغيرة وهو لايكاد يناهز سن أل 23 من العمر ....
ولأن الدولة قد رفعت يديها عن التعليم وتقديم الخدمات الصحية المعقولة. فقد إنتشرت المستشفيات الخاصة وهي تحمل في أحشائها قناعات وقيم الربحية أولا وأخيرا ؛ ولتتحول من مشافي إلى محض سلخانات ....
وهي في سبيل تحقيق أقصى الأرباح وفاحشها تتعاقد مع الأطباء والتخصصات الطبية الأخرى على سبيل المشاهرة أو بالقطعة ، دون أن تعمل على توظيفهم وتثبيتهم لديها ... والشاهد أنه كثيراً ما يصل المريض إلى مثل هذه المستشفيات فيجد نفسه مضطرا لإنتظار وصول الأخصائي من منزله أو عيادته الخاصة أو من مستشفى آخر ..... وربما يصل أو لا يصل .. أو ربما تعطله زحمة المواصلات ، فيعمد إلى معالجة المريض عبر الإتصال بالهاتف المحمول مع الطبيب العمومي المقيم ... ويا بلاش.
ونظراً لإنعدام الخبرة التشخيصية لدى الطبيب ، وفقر المستشفيات لجهة المعدات والأجهزة الحديثة .. بات على كل من يجبره المرض على دخول المستشفى شاكيا من آلام في البطن أن يواجه ما يسمى "بالعملية الجراحية الإستكشافية" بغض النظر عن ما إذا كانت الحاجة تقتضي ذلك من عدمه .... وحيث يجدر الذكر أنه وفي حالة محمود عبد العزيز بالذات كان بالإمكان تشخيص معاناته من قرحة المعدة بمجرد الفحص السريري المدعوم بالأشعة السينية والمسح الطبقي ..... والجراحة الإستكشافية في مجال الباطنية تنتشر في الولايات المتحدة والهدف منها هناك يكون دائما العلاج وليس الفحص. ... ولكن وكالعادة إستوردنا المسمى والفكرة دون أن نعمل على تطبيق المفهوم ... وعلى طريقة "كله عند العرب صابون".
..................
أن يكون لدينا حلم بأن تتشدد الجهات الرسمية المانحة للتراخيص في التفتيش على المستشفيات الخاصة . وتقييم كفاءتها وإلتزامها بالحد المعقول للمواصفات والشروط ، وتوافر المعدات والأجهزة الصالحة للإستخدام ،
وتوظيف الكادر الطبي المطلوب لمباشرة تقديمها وبيعها لخدمة العلاج ... أن يكون لدينا حلم كهذا فهو مشروع ؛ لكننا نرى تحقيقه من قبيل رابع المستحيلات ... ففاقد الشيء لايعطيه ... والمجاملات تترى وسط هذا القطاع من القمة إلى القاع . فأصحاب هذه المستشفيات إما حكوميين وزملاء مهنة وأساتذة جامعات حاليين أو على المعاش إذا كانوا أطباء .. أو تجار سوق عربي وأفرنجي من أصحاب المليارات يسند ظهرهم أرباب نفوذ ... وجميعهم لا فرق بينهم لجهة التعطش للكسب المالي الكبير ... ولا فرق في ناحية القناعات والمثل والأخلاق والتصرفات المؤدية لحصد هذا المال داخل هذه المستشفيات ... لافرق بين طبيب جزار ، وبين تاجر جشع لا يعرف الفرق بين إبرة الحقنة وإبرة الخياطة.
والتعطش للكسب المالي يدفع معظم الأطباء العاملين في المستشفيات الخاصة إلى تقرير إجراء عمليات قد لا يكون المريض في حاجة ماسّة لها ... ولكن قد يزول التعجب حين ندرك أن "مداخيل" العلميات الجراحية وحدها هي التي تشكل بند الدخل المربح في المستشفى الخاص ، والذي بدوره يتعامل مع الطبيب الجراح بالعمولة والقطعة ..والمسألة في النهاية "بزنس" ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
..................
يبقى الإشارة إلى الطريقة التي تعاملت بها الأجهزة الرسمية مع خبر وفاة محمود عبد العزيز ، وتوقيت وصول جثمانه إلى مطار الخرطوم .. كيف إنتشر بسرعة البرق عبر وسائط المعلوماتية المتعددة من فيس بوك وتويتر وموبايلات ومنتديات ..... إلخ ...
وكيف عجزت الأجهزة الرسمية والفضائيات الخاصة التجارية حتى عن الإمساك بتلابيبه ناهيك عن إحراز قصب السبق والتفرد .. تفشى الخبر وذاع وعمّ القرى والحضر وسط عشاق المطرب الراحل وكافة عشاق الأغنية خاصة والشعب السوداني عامة ، قبل أن تسمع به وكالة أنباءنا "الظريفة" سونا ،
وقد قيل أنها كانت وقتها تغط في نوم عميق ؛ تاكل كيك وحلاوة وتلعب مع الملائكة .... ...... إنه الأمر المضحك المبكي الآخر الذي يعيش فيه واقعنا النائم والناس من حولنا يقظى .... ولانشك أن هذه الوكالة باتت الآن في أمس الحاجة إلى تجديد الدماء بمفهوم "الصالح العام" المهني الحقيقي وليس السياسي الضيق الأفق.... فبقاء أمثال هؤلاء النائمون الشاخرون لن يزيد الطين إلا بللاً .... فحتما هناك فيها من لايدركون ولايرغبون في تصديق أن الدنيا قد تغيرت حولهم ،
وأن الأخبار والمعلومة لم تعد تنتظر المبيت للصباح والحصول على توقيعات المسئولين والرقباء ؛ ثم إلى حين الفراغ من إلتهام الفطور وإرتشاف أقداح الشاي في الكنتين وداخل المكاتب فوق الطاولات والملفات والمستندات كما هو جاري في دواويننا الحكومية والهيئات العامة المستقلة ...... وعجيب أن تخلد سونا للنوم العميق ليلاً في الوقت التي يظل فيه التلفزيون على قيد العمل والإرسال طوال أربعة وعشرين ساعة ... إنها مفارقة مضحكة ... وشر البلية ما يضحك.
ترى ماذا جنت الدولة من التلكؤ والتعتيم على نشر الخبر ؟ كانت المحصلة تدفق الشباب إلى مطار الخرطوم وإقتحام مدرج هبوط وتحليق الطائرات وتأخير العديد من السفريات ... فهل تتعظ الأجهزة الرسمية بما حدث ؟؟ إلى متى النوم في حضن الماضي وقد تغيرت الدنيا من حولهم ؟؟
إلى متى هذه الإحراجات التي يفترض أن يندي لها الجبين ؟؟ وإلى متى يظل تأخر أجهزة الإعلام الرسمي والخاص في الصفوف الخلفية في الوقت الذي أصبح فيه عامة الشباب متقدما علىهم بمراحل بفضل ثورة المعلوماتية ؟؟؟
مصعب المشرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.