أقصي ما دار فى ذهن قوي المعارضة السودانية – وهى تستثمر سياسياً فى الأزمة الاقتصادية الماثلة الآن فى السودان، ان الأمر لا يتجاوز تظاهرة أو تظاهرتين هنا أو هناك فتنهار الحكومة وتنشقّ الأرض لتبتلع قادة الحزب والحكومة أو ينزحوا – فى سويعات – الى دولة مجاورة، فيخلو الجو لقادة المعارضة ويسارعوا بإنفاذ تصوراتهم بشأن الفترة الانتقالية بإطارها الدستوري المُستحدث ورؤسائها السبعة! ويعيد التاريخ نفسه - بأريحية كاملة - إنتاج اكتوبر وإبريل للقادة الذين انتظروها طويلاً، الأمر – للأسف الشديد – ترسخ لدي الجميع ببساطته هذه، والأعجب ان القادة الذين اعتمروا عماماتهم وداعبتهم الأحلام ينتظرون أن يتكفّل لهم المواطنون بتعبيد الطرق السياسية وسفلتتها ليأتوا هم من مؤخرة الصف ليكونوا فى مقدمته! وما من شك ان هذا التصوُّر تصور شديد القصور، ولكي نوضح الصورة جيداً فلندع جانباً سقوط الحكومة من عدمه ولنسأل بموضوعية هل الاحزاب المكونة لتحالف المعارضة هى نفسها متماسكة ولديها قواعد يمكن الاعتماد عليها ؟ الأمر لفرط وضوحه لا يحتاج منا الى كبير عناء، فالشعبي الذى الذى يقوده الترابي رغم كل ضجيجه اذا طَلبَ منه مسجل الاحزاب إبراز نصف العدد الذى قدمه فى القائمة التأسيسية التى على أساسها جري التسجيل لعجزوا واستحقَّ الحل؟ هذه الحقيقة ليست من عندنا ولكنها من ثلاثة قادة مؤثرين داخل الشعبي يتولون مناصباً مهمة فى قيادة الحزب، لا يسعنا هنا -لدواعي كثيرة- سوي الاحتفاظ بأسمائهم ومناصبهم الى وقت آخر مناسب. الشعبي يعتمد بصفة اساسية على حركة العدل الدارفورية وبعد غياب زعيمها الدكتور خليل، انهار الأمر بصورة مريعة بحيث تلاشت آمال قادته فى إمكانية فعل شيء، أو اللحاق بأىّ ركب فى المستقبل القريب أو البعيد . الشعبي فقط تحكمه ضغينة سياسية بالغة الحدة، ولا يملك –على الأرض– أكثر من ذلك ولمن لا يعلم فإن سبب الخلاف الأساسي بين زعيمه د. الترابي والسيد الصادق المهدي يدور حول هذه النقطة، فالمهدي يدرك بدقة (وزن الشعبي المتداعي) ولهذا لا يلقي له بالاً كثيراً. الأمة نفسه – و في هذه اللحظات يعيش اضطراباً شديداً، يكفي فقط ان ندرك ان قطاع عريض من شباب يصل الى 80% يرفض رفضاً باتاً دخول تحالف المعارضة وهو ما جعل المهدي نفسه ينأي شخصياً عن حضور إجتماع الثلاثاء الماضي وأناب عنه نائبه وكريمته مريم! المهدي أيضاً يعاني حزبياً من مشاكل متعلقة بالتنظيم، وعدم رضاء واسع النطاق داخل حزبه يعتقد البعض إنَّ جزءاً منه عبث إبن عمه مبارك الفاضل بعض مكوناته على طريقة (عليَّ وعلي إبن عمي)! أما الشيوعي فيكفي أن خيبة أمل هائلة إجتاحت من تبقي من عضويته بعد اختيار سكرتير عام من (غمار القادة) ومن (كبارالسن)؛ والأسوأ من كل ذلك ان الاختيار جاء فى سياق حسم صراع كبير، بردت نيرانه وإن لم تنطفئ تماماً، وبقية الاحزاب معروفة ولا تحتاج منا لإهراق حبر لا شك أنه غالٍ. ولن يخالج الشك أحداً إن ما سقناه من حقائق ليست فقط معروفة لدي النُخب والمثقفين والمهتمِّين بالشأن السياسي. هى حقائق معروفة على مستوي المواطنين السودانيين وعامة الناس البسطاء لأنّ السودانيين يتميزون بالحس السياسي والذكاء الفطري. أحزب بهذه المثالب وفى الوقت نفسه أضعف من أن تواجه مشاكلاً تنظيمية داخلية كيف لها ان تتصدي لقضايا السودان الهائلة المعقدة ؟ كيف لأحزاب مدينة للحركة الشعبية فى الجنوب ولديها معها (دفتر حساب جاري) وليست لها القدرة على الوقوف ضد الحركات المسلحة، وغير ممتلكة لرؤية سياسية ثاقبة، كيف لها أن تمثل أملاً وبديلاً؟ من المؤكد ان الأمر بدا لها (أحلام يقظة) كانت فى أمسّ الحاجة إليها حتى تشعر بأنها موجودة، لا أكثر ولا أقل!