مآلات السودان الشمالي مابعد الإنفصال ينظر إليها كثيرون بحذر وتوجس وترقب، فما زالت القضايا العالقة تمثل هاجساً للشماليين على مستوى القاعدة والقيادة .. فالبعض يتخوف من أن تكون بذرة خلاف تؤدي لحرب جديدة.. وآخرون ينطلق خوفهم من أن فقد البترول الذي يمثل أكثر من (90%) من ميزانية الدولة قد يرمي بظلال كثيفة على موارد الشمال وبالتالي على الاقتصاد.. بعضهم ذهب لأكثر من ذلك بالقول: الحدود بين الشمال والجنوب التي تعتبر أطول حدود بين دولتين ربما تكون خميرة عكننة لأن بها العديد من مناطق تنازع لن يتم حسمها في المدى الزمني المطلوب. ولكن في المقابل نرى من تفاءل بانفصال الجنوب باعتباره كان عبئاً على الشمال أغدق عليه ملايين الدولارات إضافة الى خسائر الحروب التي امتدت عشرات السنين. د. حسن الساعوري الخبير السياسي المعروف وعميد كلية الاقتصاد بجامعة أمدرمان الإسلامية ذهب في ذات اتجاه المتفائلين بوضع أفضل للشمال بعد انفصال الجنوب. وقال في ندوة «السودان الشمالي ما بعد الانفصال» التي أقامتها رابطة المرأة بجامعة أمدرمان الإسلامية، إنه بانفصال جنوب السودان سيرتاح السودان الشمالي من ميزانية ضخمة كانت تذهب للجنوب زهاء نصف قرن من الزمان منذ اندلاع الحرب الأهلية، محملاً الحرب بالجنوب مسؤولية تراجع دور السودان الريادي إقليمياً وعربياً وأقعدته عن التطور والنماء برغم أنه من أوائل الدول التي استقلت عن الاستعمار فلم يذق طعم الاستقلال والاستقرار. واعتبر أن السودان الشمالي سيحقق استقلالاً حقيقياً بعد الانفصال في جوانب عديدة أهمها إيقاف الصرف المهلك لخزينة الدولة عن الجنوب ويوجه للتنمية الداخلية والسياسية ويكون نواة لاستقرار سياسي تستطيع القوى السياسية أن ترسخ نظام سياسي متطور يصبح أنموذجاً للأفارقة والعرب. وذهاب الجنوب - بحسب الساعوري- يمكننا من تجاوز العقبة الكؤود لتنزيل الشريعة الإسلامية في النظام السياسي والاقتصادي إذ كنا في السابق نحارب داخلياً وخارجياً لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وكان الجنوب يقف حائلاً دون ذلك والآن نحن أحرار من عقابيل الجنوب. فالعلمانيون كانوا يتذرعون بوجود الجنوب وبحسب رؤيتهم يجب ألا تطبق الشريعة على السودان لتنوع أديانه وبذهاب الجنوب ذهبت حجتهم. وينظر الساعوري لموقع السودان المتميز الذي لم يستطع الاستفادة منه لإنشغاله بمشاكل الجنوب، وبعد انفصال الجنوب عنه سيتفرغ لأجل الاستفادة من موقعه بين الدول الإفريقية والعربية وستنعم الأجيال القادمة بثمرة ذلك. واعتبر أن ذهاب الجنوب يعطينا فرصة لأن نجلس ونفكر لنصل إلى صيغة مقبولة وجيدة لوضع سياسي مستقر وراسخ تتفاعل خلاله كل لقوى السياسية ونعبر بالمشاكل ونتجاوزها. د. الساعوري لا يعني هذا الاستقرار السياسي تراجع القوى السياسية عن مخططاتها التي تديرها مع الحركة الشعبية لزعزعة السودان الشمالي. وقال إن الحركة الشعبية لم تقدر ما منحته لها حكومة الشمال بتقرير المصير ثم الانفصال فكان المتوقع أن يكون رد الفعل أفضل من موقفها الذي بدأت تكشف عنه إذ أنها شرعت في وضع العقبات والقنابل الموقوتة حتى لا يستقر السودان برغم أنها أخذت كل شئ من الشمال، فقذ ظلت القوى السياسية بالجنوب تعمل مع القوى السياسية بالشمال لزعزعة الاستقرار، فالمشورة السياسية ستكون مخلب قط ضد الشمال.. وقال لم يكن النيل الأزرق وجنوب كردفان أزمة أو مشكلة في الحكم ولكن الحركة الشعبية أقحمتها بالقضايا السياسية بعد أن حركتها القوى المحلية والإقليمية والدول العظمى.. واصفاً الأمر بأنه ثغرة (ليست حصينة) وربط ذلك بعلاقات الحركة الشعبية بحركات تمرد دارفور وإيوائها وتقديم الدعم المعنوي واللوجستي لها حتى لا يستقر الشمال. وقال الساعوري إن القوى السياسية ساعدت كثيراً الحركة الشعبية لتحقيق مآربها فهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الانفصال، فالتجمع الديمقراطي أعان الحركة الشعبية واستقوت به، فالقوى السياسية لم تميز بين المصالح الوطنية والمصالح الحزبية الضيقة إذ أن الحركة الشعبية استخدمتها مطية لتحقيق هدف الانفصال. والآن يطرحون ذات الوسائل والمنطق، فالقوى السياسية تخطط لصراع شعبي وسياسي مسلح لإسقاط النظام إذ أنهم فشلوا للوصول للسلطة عبر الانتخابات، فهم يبحثون الآن عن وسائل أخرى منها وسيلة العنف لإدخال السودان في دوامة أخرى. وبانفصال الجنوب يصبح بالسودان الشمالي مشكلات أخرى إقليمية ودولية وربما تزيد من أزماته. د. محمد أحمد عبد الغفار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم ركز حديثه في هذا الجانب وقال إن الانفصال كان نتاجاً لمخطط غربي عالمي وكنسي استخدم فيه اللوبي الصيوني واللوبي الأسود الأمريكي. وربط الأحداث منذ حركة أنيانيا، ثم التمرد في العام 1983 من إثيوبيا ثم انتقلت الحركة الشعبية الى كينيا ويوغندا ما يؤكد أن دول الجوار لها دور كبير في التمرد في الجنوب بدعم غربي ثم تداعت الأحداث حتى وصلت الى تقرير المصير ثم الانفصال. ولكن د. محمد احمد نظر للقضية من جانب إيجابي إذ أن الانفصال أراحنا من جارتين وجدنا منهما الكثير من المصاعب والمشكلات إذ أن المعلومات المؤكدة لنا أن يوغندا وإثيوبيا سعتا لفصل الجنوب منذ التسعينات بدعم الحركة الشعبية بالسلاح ولكن المخططات فشلت حينذاك. وقال إن إثيوبيا أيضاً كانت الملاذ الآمن لزعيم الحركة الشعبية جون قرنق عندما تضيِّق عليها القوات المسلحة الخناق. وتحدث حول العبء الأكبر على الشمال الذي نتج عن أطول حدود مع الجنوب وتوجد بها أكثر من ست مناطق متنازع عليها ودعا لأن توليها دولة الشمال أهمية كبرى وأن تتمسك بالحجج القانونية والمكتسبات التاريخية. وقال إن الانفصال كان هدفاً رئيسياً للحركة الشعبية لكن الآن تغيرت لغة الخطاب في الجنوب لأنه يحتاج للشمال في جانب تصدير البترول وتنميته وامتصاص النزاعات التي تحدث بين القبائل.. وقال إن الجنوب الآن يواجه نزاعاً مع كينيا حول مثلث أليمبا وحدث في وقت سابق اشتباك بينهما وسقط قتلى بين الطرفين وتوقع أن يحدث ذات النزاع مع يوغندا بسبب المناطق الحدودية. وتفاءل د. محمد عثمان صالح المدير الأسبق لجامعة أم درمان الإسلامية بأن السودان الجديد سيكون قوي وفاعل.. وقال إن السودان تأثر بالاستعمار الذي غرز مخالبه لضرب العقيدة والاقتصاد وهي خطة قديمة متجددة فلابد من مواجهة ذلك بالفكر والعقيدة والتخطيط للسودان كما نريد لا كما يريد الغرب. وقال إن السودان الذي يمر بمنعطف خطير ستواجهه مشكلات أخرى لابد أن نضع لها خططاً تناسب المتغيرات الجديدة. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 24/2/2011م