د. محمد سلمان العبودي هذه الكلمة المكونة من سبعة حروف ، لا يريد العرب أن يعترفوا بها بعد.البلاء كل البلاء الذي يضرب العديد من العواصم العربية هذه الأيام، والذي لن يدخر أحدا بعد اليوم، من قتل وتدمير وضرب العرب أنفسهم بالمدافع والرشاشات والقنابل والرصاص الحي واستخدام الطائرات وكلها غربية الصنع في إسكاته، يتمثل حله في الحروف السبعة التي ذكرناها آنفا: استفتاء. الاستفتاء واحدة من العمليات الفكرية التي تعلمناها على مقاعد الدراسة في الجامعات العربية قبل الغربية. بمعنى أن الفكرة موجودة لدينا منذ زمن طويل ولكن في حدود معينة لا تتعداها. وهو ما يطلق عليه طلاب الجامعات بمصطلح آخر: الاستبيان. والاستبيان هو طلب التعرف على رأي الآخر حول موضوع ما أو مشكلة محددة. وكذلك الاستفتاء. وبقدر ما يكون الاستبيان شفافا ونزيها كلما تجنب الباحث الخطأ والزلل ووصل إلى الحقيقة التي تساعده على حل المسألة التي تشغل باله. المسألة لا تحتاج لأكثر من قصاصة من الورق قد لا تتجاوز مساحتها صورة فوتوغرافية عادية ولكنها كانت كافية لتجنيب جمهورية مصر العربية ويلات الخسائر في أرواح المواطنين إضافة إلى الخسائر المعنوية والمادية التي دفعها شعبها ثمنا للوصول في نهاية المطاف إلى نفس النتيجة. وكذلك الأمر في تونس والآن في ليبيا واليمن وغيرهما. وحيث اننا ما زلنا نؤمن بأن الحاكم يملك هيمنة روحية سامية على شعبه غير قابلة للمناقشة والمساءلة وهو بالتالي من يقرر نتيجة الاستفتاء والاستبيان والاقتراع كتحصيل حاصل، وهو في النهاية أول من يدفع ثمن النتائج المغلوطة التي يضعها لنفسه مسبقا، لذا ما الذي يحول دون أن تشرف على ملء هذا الاستبيان أطراف ثالثة معترف بنزاهتها وتحت مراقبة دولية؟ الأمر في غاية المنطق والبساطة. فإذا كان شعبه يكن له الاحترام والتقدير فلن يتردد في انتخابه، وإن كانت نتيجة الاستفتاء لغالبية شعبه تسمح له بإبداء بعض الملاحظات على سياسته في حكم الملايين من البشر، فمن الأجدر به إعادة النظر في تلك السياسات بما يحقق آمالهم وبالنتيجة استمرار حكمه تحت مظلة من الأمان والاستقرار دون الحاجة إلى فرض رأيه بقذائف الهاون على رؤوسهم أو سحقهم دار دار بيت بيت زنقة زنقة بصواريخ طائرات الميراج الفرنسية. وأكثر ما يخشاه أي حاكم في العالم، سواء كان حاكما في الدول العربية أو الغربية هو خسارة تسميته كحاكم على شعبه. أما إذا كانت نتيجة الاستفتاء أو الاستبيان أو الاقتراع أو الانتخاب تمخضت عن حقيقة حتمية ومؤكدة بأن غالبية شعبه غير راغبة في استمراره في الحكم، فلا نجد تفسيرا لاستمرار هذا الحاكم في العيش في قصره حاكما على شعب لا يرغب فيه؟ هو في هذه الحالة كمن يحكم نفسه! وما يحدث حاليا في ليبيا واليمن شاهد على ذلك. فالرئيس القذافي والرئيس علي عبد الله صالح اللذان عاصرا ثورة عبد الناصر، لم يعودا منذ اندلاع ثورات شعبيهما بزمن طويل حكاما على معظم أرجاء بلدانهما، إلا بقوة الطائرات التي تقصف عمر شعبيهما. وهذه فلسفة مضحكة، فهما ظلا حاكمين ولكن فقط على الموتى ممن استشهدوا برصاص رجال الأمن. أما بقية الشعب ممن رفض ولايتهما فلم يعودا حاكمين عليهم. استفتاء. هذه الكلمة تجنبنا الكثير من إراقة الدماء. وهي التي تدفع بالحاكم العربي لأن يبذل قصارى جهده ليظهر بالمظهر الحسن واللائق أمام شعبه. وهي التي ستدفعه إلى بناء دولته على أحدث طراز. وهي التي ستجنبه الوقوع في الكثير من الأخطاء أو تلقي التقارير التي تقدم إليه على صحن من فضة، بينما يدس له فيها المسؤولون تحت سلطته السم في العسل. أما إذا كان الإثراء لنفسه ولعائلته ولمن حوله من تابعيه وبطانته هو جل ما يهتم به الحاكم، فهو تحول من حاكم إلى تاجر يبحث عن الربح السريع مقابل بضاعة فاسدة. لا أحد يعرف بعد كيف ظلت بلدان العرب ؟ رغم أنها غنية بالنفط والزراعة ومياه الأنهار والسياحة ؟ متخلفة في كل نواحي الحياة المدنية والعلمية والصحية والغذائية وحتى السياحية. وكيف ما زالت بعض الأنظمة تمارس أسلوب الحكم الذي كان سائدا زمن الجاهلية التي كانت تفاخر بالحسب والنسب إلى أن جاء النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فساوى بين البشر وعدل وحرر وعتق وطور حتى أوصل العرب بفضل تلك السياسة إلى أعلى المراتب المتقدمة في كافة نواحي الحياة. وأكثر ما يستدعي الدهشة هو أنه رغم تطور وسائل الإعلام والاتصال المرئية والمكتوبة وبالرغم من انتشار المواقع الالكترونية وقدرة الفرد على متابعة وملاحقة أخبار العالم لحظة بلحظة بضغطة زر على جهازه المحمول في أي بقعة من العالم. ورغم ما نسمعه عن تقدم نظريات وسياسات الحكم التي سادت معظم بلدان العالم من حيث منح الشعوب حرية الاستفتاء وحق إبداء الرأي ومحاسبة المخطئ أيا كان وأينما كان، رغم كل ذلك يصر البعض على سد أذنيه وحجب عينيه عن رؤية ما يحدث على مرمى حجر من موضع قدميه! أليس من الطبيعي إذن ان يقع هذا الفرد أو هذه النوعية من الحكام في العديد من الحفر التي وجدت أمامه لأنه منع نفسه عن رؤيتها ورفض سماع صيحات المحذرين له؟ العالم يعيش في عصر ونحن العرب وبعض بلاد المسلمين تعيش في عصور أخرى تعود إلى عشرات القرون الماضية التي عفا عليها الزمن. نحن يؤلمنا ما أصاب بعض قادة العرب وما قد يصيب غيرهم من اهانة وإذلال وتهكم ومطالبة بتقديمهم إلى القضاء بتهمة الفساد والتحفظ على أموالهم وممتلكاتهم التي قدرت بالمليارات، بينما كانوا في السابق يمثلون لنا الشخصية الكارزماتية التي لا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها. وها هي اليوم تسقط في مهب الريح وتشطب من كتب التاريخ، وتخسر ما جمعته طوال فترة حكمها. ويتم إسقاط التماثيل التي نصبتها لنفسها، وتنزع صورها من على الجدران التي كانت تمجدها حتى فترة قريبة، بينما ظلت الجدران قائمة على حالها في انتظار صورة زعيم آخر أكثر قربا من شعبه ومن ألامه وهمومه. فهل كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل 1400 سنة أكثر حداثة وتطورا من كثير من حكام العرب اليوم؟ المصدر: البيان 20/3/2011