لا تكاد تفتح صحيفة يومية إلا وتجد فيها من يتحدث عن محاربة الفساد ..كل الجهات الحكومية مركزية أو ولائية ركبت موجة المكافحة الي الحد الذي يثير التساؤل حول من يحاسب من ..وأين هذا الفساد الذي سيحارب ..وكيف ،حتىلا يكون الأمر مجرد كلام في الهواء الغرض منه إرضاء الشعور العام الذي بدا يتململ . كم من مسؤول ظهر علي أجهزة الإعلام والصحافة وهو يعلن الضرب بيد من حديد علي الفساد ..وكم من والٍ أعلن محاربة ولايته للفساد ..وكم من محلية أو حتى مدير مصلحة عادية ظهر بمظهر المحارب للفساد ..وعلي خلفية الموجة النشرة محليا وإقليميا . نعم كل الشعب السوداني محب لمحاربة الفساد واقتلاع جذوره وهدم قلاعه ..لكن أين هذا الفساد سواء كان فسادا ماليا أو إداريا ..وما أساليب واليات الوصول إليه ..وهل نأمل في مفوضية محاربة الفساد ان تقوم بهذا الفعل العظيم لكون أنها تحت الأشراف المباشر لرئاسة الجمهورية .. حتى لا يختلط الحابل بالنابل وحتى لا يلقي الاتهام بلا دليل ..فان المطلوب من المفوضية أو الحسبة أو أي جهاز رقابي او محاسبي ان يعمل بالدقة والشفافية الكاملة . كثيرون يتحدثون عن كشف الفساد "بالثابتة "..أي ان يكون هناك دليل واضح يمكن ان يقدم للمحاكمة والعقوبة ..وهذا أكثر الأنواع التي يسهل ضبطها وإحضارها ومحاكمتها عبر أي آلية محاسبية ..اخطر أنواع الفساد هو ذلك الذي له رائحة بلا لون ..لا يترك وراءه أثرا ولا دليلا ..واعتقد انه هو الأجدر بالبحث والتقصي عبر قوانين موجودة وجاهزة لكنها لا تعمل بالقدر المطلوب ..ومن أمثلة ذلك ما يبدو من مظاهر ثراء فاحش علي بعض الأفراد دون ان تكون له خلفية كحالة احمد عز في مصر ..فعندما سئل عن مصدر أمواله قال أنها من جده لأبيه ..ليتضح ان الجد كان "تربي "مهمته تجهيز ودفن الموتى ،أما والده فكان بائع مواسير مياه علي الرصيف ..كم من احمد عز يمكن ان تظهره مفوضية محاربة الفساد أو إدارة الثراء الحرام القائمة لان بكامل هيئتها ..أو لجنة الحسبة بالمجلس الوطني .. نعم اعتراف أجهزة الدولة بوجود فساد أصبح واضحا عبر الآليات التي شرع في تكوينها ..لكن من المهم جدا ان تمنح هذه الأجهزة صلاحيات البحث والتقصي..لا ان تنتظر الشكوى أو ان تجد الدليل ضد المفسدين عبر تقارير المراجعة الدورية ،لان هناك من الحالات ما لا يستطيع ان يسطرها التقرير وهي الحالات الأكثر خطورة علي المجتمع .. فلننظر الي الظلم الاجتماعي الذي يقع علي العديد من شرائح المجتمع فهو ظلم يأتي من وجود فئات محدودة استطاعت ان توظف علاقاتها السياسية والاجتماعية لتحصل علي ما تريد دون عمل أو عناء ..مجرد هاتف لأحدي الجهات تستطيع هذه الفئة ان تخلص أمورها في ثوان .كثير من الأعمال تصدم بالإجراءات والرسوم والبيروقراطية ..وكثير من رجال الأعمال خرجوا من السوق بسبب المنافسة الغير عادلة مع الفئة أعلاه تمتلك المال وقد لا تجد لها مستندات رسمية تشير او تدل علي ممارسات خاطئة تقوم بها لتسهيل أعمالها ..فكيف يمكن لآليات المحاسبة ان تثبت عليها ما يقود الي المحاكمات في ظل وجود نظرية "شيلني وأشيلك ". كثيرون يتحدثون عن ضربة بداية لمحاربة الفساد عبر المراجع العام وما يقدمه من تقارير سنوية حول ذمة الحكومية المالية ..فما تأتي به هذه التقارير كفيل بمكافحة الفساد او علي الأقل التقليل منه اذا ما تبعت هذه التقارير محاسبات مباشرة ومحاكمات قضائية وعقوبات مناسبة ..في اعتقادي انه الأجراء الأول السليم ..لكن في اعتقادي ان ما ينخر في مفاصل الاقتصاد الوطني ليس مثل هذه التجاوزات المالية المسجلة في الأوراق الرسمية .....لان أسلوب كشفها لا يحتاج الي كبير عناء ..فالذي ينخر في الاقتصاد وفي المجتمع هو ذلك النوع الذي لا يترك دليلا وراءه ..أنت تري الممارسات الخاطئة بام عينيك لكن لا تستطيع ان توجه حولها اتهامات تجعلك طائلة "ان جاءكم فاسق بنبأ "..هذه الممارسات التي تُري ولا تمسك باليد قد تذهب بمن يتحدث عنها الي قاعات المحاكم ،بل قد يدفع جراءها تعويضات مالية كبيرة لكون أنها اتهامات بلا دليل ..حيث يكون الدليل (اّلو لو )كما يقول إخواننا في مصر .. المجتمع السوداني شأنه شأن كل بقاع الدنيا ..لا يسلم من وجود فساد مالي أو إداري او اجتماعي ،فلسنا شعبا معصوما من الأخطاء ..يوجد الصالح والطالح ومن الخطأ جدا ان نصبغ الفساد علي نظام معين دون آخر ..سواء كان نظاما سياسيا او اجتماعيا ..لكن بلا شك هناك تداعيات تشير الي ارتفاع او انخفاض مثل هذه الأخطاء بحسب أعمال القوانين والعقوبات ..واختلاف في النسب بحسب استغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..ومن المعروف انه طالما وجد مال ..وطالما وجدت علاقات شخصية ..فلا شك ان هناك من يستغلها بهدف الكسب والتربح ..لكن الأمر يصبح غير عادي اذا كان المواطن العادي لا يستطيع ان يمارس حياته العادية في كسب العيش وفرص العمل ما لم يبحث عن من هو في موقع يسنده للحصول علي العيش والعمل ..هنا يكون المطلوب ميزان للعدالة الاجتماعية .علي غير الذين انتقدوا قيام مفوضية في ظل وجود أجهزة مكافحة ..اعتقد ان قيام مفوضية لمحاربة الفساد أمر مهم ومستعجل ..فقط تحتاج ان تكون في وضع مستقل . نقلا عن صحيفة أخر لحظة بتاريخ :23/3/2011م