تحليل رئيسي : بالطبع من المألوف للغاية بل ومن المرغوب للكافة أن يوجهوا أي قدر من سهام النقد – بصرف النظر عن الدوافع والمنطلقات – إلى أي تشريع قانوني له صلة بالحريات العامة ، والقضايا الحقوقية ، وللذين قد يكونوا قد نسوا فإن أي قانون يصدر ، سواء كان قانوناً موضوعياً ، مثل القانون الجنائي ، أو إجرائي مثل قانون الإجراءات الجنائية ظل يواجه في بداية صدوره مبالغات فى النقد ، وإبراز مبالغ فيه لمواطن الخلل ، وكلها تقع ضمن إطار المخاوف المشروعة من المساس بالحريات والحقوق. وما من شك أنها في هذا الإطار مقبولة وبوسع المتابعين مراجعة الصحف السودانية في التسعينات والسنوات القليلة المنصرمة عند صدور القانون الجنائي سنة 1991 الحالي وقانون الإجراءات الجنائية المصاحب له في ذات العام 1991. وقد انبرى العديد من المهتمين بالشأن القانوني لإبراز مخاوفهم من مدد الحبس وسلطة تجديد الحبس ، بل ان البعض كان ولا يزال ينتقد منح حق الإشراف على الدعوى الجنائية للنيابة العامة على الرغم من أن هذا الأمر ثبت أنه أحدث تطوراً حقوقياً غير منكور في المجال القانوني والحقوقي في السودان وأعطى ضمانات واسعة للمواطنين بفتح المجال للتظلم والطعن في سلم طويل يمتد من وكيل النيابة العامة ليصل إلى قمة الهرم حيث وزير العدل . من هذه الزاوية نظر البعض إلى قانون الأمن الوطني الجديد للعام 2009 ، ومن ذات الزاوية – والكل يذكر الجدل الكثيف الذي ثار حول قانون الشرطة – نظر الكثيرون لقانون الشرطة ، فالقوانين ، كما أردنا أن نبين هنا لا يرضى عنها الناس على الإطلاق ، لأن الطبيعة البشرية تسارع عادة للنظر إلى الحق الخاص والفردي ولا تنظر إلى مجمل المصلحة الوطنية العليا للبلاد ، ولمن أراد أن يستزيد بالنماذج والأمثال فليعد الى التعديلات الهائلة التي أجرتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على قوانينها عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي أفرزت تصنتاً على الهواتف ، ومضايقات للأشخاص ، وإنشاء معتقلات سرية ( جوانتنامو نموذجاً ). وبالطبع لسنا هنا بصدد المقارنة أو المقاربة ولكن من الضروري التأمل في الأمثلة والنماذج عند قراءة أي نصوص قانون ، لأن القوانين لا تقرأ كنصوص جامدة مجردة . ولعل قانون الأمن الوطني الجديد – مثار الضجر والجدل من بعض القوى المعارضة والناشطين في المجال الحقوقي – حظه مثل حظ القوانين سالفة الذكر ، واجه مبالغة شديدة في النقد ورافقته تصورات مشتطة بشأن الصلاحيات دون أن يتكلف من ينتقدونه جهوداً موضوعية بدراسة وافية موضوعية لقراءته ، باستصحاب المعطيات الماثلة والموازنة بين حقوق المواطنين ومصلحة بلاد هؤلاء المواطنين العليا. فالقانون لم يأت بجديد على الإطلاق لا على مستوى القوانين المماثلة التي طبقت في السودان من قبل ولا على مستوى الدول الأخرى ، لأن سلطة الاعتقال المأخوذة من قانون الشرطة سلطة محاطة بذات ضمانات الاعتقال الشرطي وهو العرض على النيابة أو القضاء – بحسب الحال – وللأخيرتين مطلق الحق فى التقرير بشأن المعتقل والمسألة هنا ترجع الى الضمير و التقديرات الممنوحة لوكيل النيابة أو القاضي ، كما أن إسباغ حماية ( محددة ) لأعضاء جهاز الأمن أمر متعارف عليه ، فالحصانات ما وجدت إلا لإتاحة الفرصة للعضو المعنى لأداء واجبه وإذا خرج عليه يخضع للمحاسبة وتزخر أضابير الجهاز بالآلاف من حالات العقاب التي تمت للمتجاوزين . أن القضية تبدأ وتنتهي بالمناخ الذي تجرى فيه ، كما أن الممارسة العملية تمنح صورة واقعية يمكن على ضوئها تعديل وإصلاح ما بدا معوجاً . نحن معنيين بالنظر إلى المؤسسية الهادفة إلى حماية أمن الدولة السودانية كدولة تضم أرضاً وشعباً وحكومة ، وطالما أن هناك رقابة قضائية وعدلية فإن الأمر لا يستحق كل هذه الجلبة السياسية التي – للأسف الشديد – انتهجت أسلوب المزايدة المبالغ فيها بغير مقتض !!