كما رأينا من خلال الزيارة التي قام بها وفد قطاع الشمال برئاسة عقار الى واشنطن أن الأخيرة (نفذت ما يليها) فى شأن تسويق القطاع وإعطاؤه بعداً سياسياً جديداً ذا أهمية. و كما رأينا ايضاً فان عملية إعادة التسويق أو التدشين لا غبار عليها ظاهرياً ، فقد فتحت الإدارة الأمريكية أبواب مسئوليها لوفد حزبي لا يحمل أى صفة رسمية وليست له قاعدة سياسية معتبرة ولا معطيات ذات بال لكي ينال كل هذه الحظوة. غير أن السؤال المهم الذى يفرض نفسه هنا هو إذا كانت عملية التسويق سهلة و لا مشكلة فيها ، فهل بالإمكان القيام بعملية إعادة الروح ونفخها من جديد فى قطاع جمدت هياكله ؟ الواقع أن المعضلة الحقيقية التى تجابه قطاع الشمال تتمثل فى عدد من العقبات الكئود .أولاً : القطاع يبدو وريثاً للحركة الشعبية فى الشمال وقد فقدت الحركة سواء فى الشمال او الجنوب اى جاذبية سياسية منذ ان رأى الجميع ممارساتها فى المسلك ألانكفائي والعنصري و الغبن والغل الدفين لدرجة التهديد بقطع إمداد النفط ، ودعمها للحركات الدارفورية المسلحة و وضع يديها فى يد العدو الإسرائيلي وتصريحاتها العلنية بأنها عازمة على إقامة علاقات وطيدة مع اسرائيل . هذا الموقف لم يبارح ذهنية السودانيين- شماليين كانوا أو جنوبيين – و يعتبرونه نهجاً متطرفاً وان من شأن ذلك وضع موارد البلاد فى أيدي معادية، وطالما أن ذلك فى طريقه لأن يحدث ، بل و بدأ بالحدوث فى الجنوب فان (قطاع الشمال) ربما يقتفي ذات الأثر ، و مواطني الشمال آخر من يقبل أطروحات مدمرة كهذه . ثانياً : قيادة القطاع نفسها تعاني من مقت وكراهية لدي العامة خاصة عرمان الذى دخلت قواعد القطاع فى كل ربع من السودان فى خلافات مريرة معه ، وبقية القادة ليسوا موصولين بالجمهور ولا يرتكزون – كما هو الحال بالنسبة لعقار – سوي على القوة العسكرية والمليشيات وحدها، فالفريق عقار لو تم تسريح جيشه فى النيل الأزرق لن يكون شيئاً مذكوراً ، وهو أمر سوف يحدث عاجلاً أم آجلاً . ثالثاً: الذهنية السياسية السودانية ومنذ عقود تجاوزت فرضية المغامرة بقبولها لقادة توجهاتهم السياسية غير منسجمة ولا متناغمة مع وجدانهم السوداني ، فالذي يكون كل اعتماده على الولاياتالمتحدة ودول أوربا لن يكون وطنياً مخلصاً تطمئن إليه القلوب فى بلد كالسودان، الوطنية وحب الاستقلال السياسي تنبض فى عروق الكل . هذه باختصار عقبات كأداء من المستحيل تذليها ومن ثم فان واشنطن أدركت ذلك أو لم تدرك ليس فى وسعها مهما حاولت إعادة إحياء القطاع وجعله شيئاً مذكوراً فى الساحة السياسية السودانية ، فالأمر فى مجمله مجرد محاولة لا يبدو أن واشنطن مهتمة بها كثيراً !