يخطئ من يصف الخلافات التي تثيرها الحركة الشعبية في البرلمان السوداني بشأن القوانين الأخيرة ، الأمن الوطني ، الاستفتاء هي من قبيل المنازعات المتأزمة بين الحركة والمؤتمر والوطني ، إذ أن هنالك تعميم مخل لطبيعة الأزمة ولطبيعة المواقف التي تتخذها الحركة خاصة في هذه الأيام الحرجة وقد شارف الاستحقاق الانتخابي وتتشكل فيه المواقف والتحالفات ويجري كل حزب وكل طرف حساباته ويقدر وزنه فقانون الاستفتاء الذي ثارت حوله ثائرة الحركة الشعبية وانسحب نوابها من البرلمان بسببه وهم يعلمون أنه سيجاز شأنه شأن أي قانون عُرض على البرلمان وأجيز وفقا للقواعد المتعارف عليها في البرلمان ليس قانونا (حصرياً على الحركة الشعبية) ، إذ أن هذا المفهوم الخاطئ اجتهدت الحركة لترسيخه في ذهن العامة ، وفي ذهن القوى السياسية وفي ذهن المجتمع الدولي . قانون الاستفتاء قانون سوداني قومي يخص كل السودانيين لأنه – ببساطة - هو القانون الذي على أساسه سوف يتم تقرير مصير إقليم سوداني، ومن المتوقع - بناءً عليه - أن تنشأ دولة جديدة بسببه واستنادا عليه أو أن تؤسس دولة موحدة بأسس وقواعد أفضل وأقوى من ذي قبل . من هذه الزاوية المهمة يتعين النظر إلى هذا القانون ومن ذات هذه الزاوية ينبغي قراءة نصوصه . فالحركة الشعبية وإن كانت هي الطرف الذي ينطبق الآن بلسان جنوب السودان استناداً إلى نظرية الأمر الواقع ليس من حقها التظاهر بأنها الوحيدة المسئولة تماماً عن قانون الاستفتاء ، فتدخل فيه من مواطنيها من تشاء، وتمنع من تشاء ، أو أن تقرر قيام التصويت بكامله في الجنوب وحده ، وتسيطر وحدها على قواعده وعملية إجرائه ونتائجه ، فالتصويت حق قومي للمواطنين الجنوبيين أينما كانوا وإجراءات التصويت شأن قومي ، أوسع من حكومة الجنوب أو الحركة الشعبية وربما نسيت الحركة الشعبية أن الاتفاق على إجراء الاستفتاء تم على أساس قيامه عقب الانتخابات العامة ، حتى يتسق مع وجود حكومتين منتخبتين شمالا وجنوبا تتحملان المسئولية - بشرعية انتخابية - لأنها مسئولة تاريخية جسيمة وغير مسبوقة . لهذا فإن غضب الحركة من نص المادة (27) من القانون أو عدم رضائها عن نص آخر، أو رغبتها في إيراد نص معين يخدم قضية ما تخصَها كلها من قبيل المزايدات السياسية ، والمزايدات السياسية شأن خاص بالحزب الذي يزايد وهو ما يستدعي أن ينتبه بعض الذين يدعمون مواقف الحركة لمجرد خلافاتهم مع المؤتمر الوطني، أن قضية الاستفتاء لا تصلح للمزايدات ، وأن الحق أصلا مكفول للمواطن الجنوبي وحده وليس حقا للحركة الشعبية أو المؤتمر الوطني وهذا ما يجعلنا نقول أن الخلاف حول قانون الاستفتاء يتطلب نظرة موضوعية، وليس منازلة سياسية ، وتصوير الأمر وكأنه عراك بين طرفين لتحقيق مكاسب خاصة. وربما يندهش البعض إذا قلنا أننا ومن خلال قادة نافذين في الحركة علمنا أن هذه القوانين جميعها جري الاتفاق حولها بين الشريكين قبل الدفع بها إلى البرلمان وما تفعله الحركة لا يعدو كونه إبراء للذمة السياسية تجاه القوى السياسية المعارضة وتجميل الوجه أمام المجتمع الدولي.