المجتمع الدولي في حيرة من أمره .. كيف سيتعامل مع الكارثة الأمنية في الجنوب؟ بدأت الحيرة تنتاب المنظمة الدولية والقوى الكبرى بشان ما يمكنها فعله إزاء دولة الجنوب المرتقبة. فلربما كانت هذه هي المرة الأولي التي تجد الأممالمتحدة نفسها تواجه اختلالاً أمنياً مريعاً وأوضاعاً (إنسانية شديدة التأزم في دولة لم تولد بعد، ومن المؤكد أنها إذا أعلن عن ميلادها فسوف تأتي مشوهة ومصابة بالشلل ولن يجدي حينها التطعيم. فعشية الخميس الماضي حذرت الأممالمتحدة من ما أسمته التزايد الملحوظ للاشتباكات المسلحة بالجنوب. وقال (أتول كاري) مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المسئول عن عمليات حفظ السلام أن تزايد المواجهات هناك من شأنه التأثير سلباً على القدر الذي تحقق من المكتسبات في المنطقة. وخص (كاري) ولايتي أعالي النيل وجونقلي بالتحديد باعتبارها المسرح الأكثر حراكاً في القتال الدائر، ودعا (كاري) حكومة الجنوب للعمل على وقف التوترات ذات الطابع العرقي ومظاهر سوء الإدارة و(التهميش السياسي والاجتماعي)!! وكانت هذه العبارة الأخيرة (إزالة التهميش السياسي والاجتماعي) ذات وقع خاص بالنسبة للجنوب على اعتبار أن الجنوب نفسه ظل يحارب لعقود ووصل أخيراً إلى قناعة أفضت إلى الانفصال، بسبب ما يزعمه قادته من شعورهم بالتهميش السياسي والاجتماعي! الآن لسخريات القدر، الأممالمتحدة تطالب الجنوب بإزالة هذا التهميش!! من جانب ثان فان برنامج الغذاء العالمي – وتحت وطأة القتال الدائر – أضطر لوقف أنشطته في أعالي النيل وجونقلي، وهو إيقاف لا يعرف إلى متى سيستمر في ظل توقعات بتزايد الاضطرابات واتساع نطاقها بعدما تحالفت (6) فصائل متمردة وأعلنت عن تكوين حكومة جديدة توطئة لإزالة السلطة القائمة الآن. هذه المعطيات التي (تفاجأ) بها المجتمع الدولي وكان يستعد لاستقبال دولة الجنوب المرتقبة تبدو بمثابة عقبات أثارت بالفعل حيرة الدول الكبرى، فهي كانت تعتقد أن منح الجنوب استقلاله وفصله عن الشمال سوف يوقف المشكلة، والشيء الغريب أن الضغوط التي مورست على الشمال لكي الجنوب يمضي وشانه كلها كانت مؤسسة على فرضية أن الشمال هون الذي يعكر صفو الاستقرار في الجنوب. الآن ثبت (بالدليل القاطع) وبمؤشرات فيها ولا غموض أن الجنوب (هو في حد ذاته يحمل بزور ففنائه)، فالحرب القبلية الناشبة على أشدها، وحكومة الجنوب عاجزة تماماً عن السيطرة عليها والقوات الأممية المكلفة بمراقبة الأوضاع هناك (اليونميس) وفلولة اليدين، وفي الوقت نفسه لم تفعل حكومة الجنوب رغم كل ما كان متوفراً لها من إمكانيات أي بني تحتية أو قوات شرطية وأمنية وجيش نظامي محترف للحيلولة دون شيوع الفوضى في الإقليم. أن الجميع الآن يراقبون الأوضاع في الجنوب وهم في حيرة كبيرة ولا يدرون ماذا يفعلون إذا إقليم أصبح موقداً مشتعلاً غير قابل للإطفاء!!