في طريقنا إلى كادقلي أمس الأول بمعية مجموعة من الصحافيين تمنّى أحدُهم أن يتحوَّل قلمُه إلى بندقية لجهة أن يدافع به عن نفسه حال حدث أي طارئ، وبالقطع انتابه ذلك الإحساس بعد الأنباء التي تواترت بأن غيوم التوتر تظلِّل سماء المدينة وأن حالة التأهب الأمني والشرطي وصلت أعلى درجاتها.. نعم حينما وصلنا المدينة منتصف الليل كانت نقاط التفتيش توحي بذلك مع أن حالة البشاشة التي بدت على وجوة «العسكر» تناقض الموقف، بيد أن المفاجاة كانت أمس عندما قررنا تناول شاي الصباح في سوق المدينة، كانت الحياة عادية جدًا إن لم تكن رتيبة، وصور المرشحين تملأ أبواب المحال كان أكثرها مثيرًا للضحك هو إعلان يقول نعم لعبدالرحمن العزيز الحلو من أجل ترتيبات أمنية جديدة وبجواره صورة عسكري من الجيش الشعبي تبدو عليه الحيرة وكأنما شيءٌ ما ذهب بعقله!! في حين إن شعار الوطني بجوار صورة مرشحه أحمد هارون «معًا لاستكمال النهضة» كان واضحًا «بيانًا بالعمل» في المنشآت والطرق.. سألت مواطنًا عن الانتخابات، قال لي وببساطة: أنا ما مؤتمر وطني لكن مولانا شغال تمام والحركة وهم ساي» ..الحياة في السوق خليط بين سوقي أم درمان القديم وعطبرة، الأول لبساطته والثاني لكثرة الدراجات الهوائية فيه. وبعيدًا عن «العجلات» التي تملأ شوارع المدينة فإن الوطني أدار عجلة الغضب في وجه الحركة و«فرمها»، فبعد انقضاء الصباح توجَّهنا إلى منزل الوالي الفائز، وجدنا هارون يتلقّى التهانئ من قيادات حزبه وغِمار الناس، كان هارون غير أحمد الذي اتّسم بالمرونة تجاه حلفائه في الحركة، حيث كال لها الهجوم وصوَّب نحوها اتهامات خطيرة منها اعتباره أن تسميتهم بالخوارج تنطبق عليهم الآن وأنها ستظل عبئًا على العملية السياسية بالبلاد، وأشار إلى أنها حائرة ما بين كونها حركة متمردة وحركة سياسية، واصفًا عقليتها ب «الاحتجاجية» ووصف قطاع الشمال ب «الآفة»، ولفت الانتباه إلى أن الحركة أدارت انتخابات الولاية بواسطة الشيوعيين وبقايا قطاع الشمال، وقال إن المسؤول بالقطاع ياسر عرمان عزل الحلو عن محيطه وتنظيمه بالولاية، وجزم بأن اللغة التي بات يتحدث بها الحلو هي لغة عرمان، وزاد بأن أمثال عرمان دفعوا الحركة بالولاية إلى الانتحار.. المهم في الأمر أن هارون اشترط لإشراك الحركة في حكومته تحسينها لسلوكها السياسي، وحتى شريكه في الحكم عبد العزيز الحلو لم يسلم من انتقاداته عندما سمَّى موقفه الرافض لوسام رئاسة الجمهورية بعدم الرشد السياسي، وعزا ما بدر منه إلى «طلوع حمى الانتخابات فى رأسه».. هارون أرسل رسالة قوية للحركة بعدم ممانعته إشراك تلفون كوكو في حكومته وكذا بقية القوى السياسية. خرجنا من منزله وقد ودَّعنا وكانت آخر كلماته المثل الشائع «البلاقيك متحزم...».. زرنا بعدها دار الوطني المتواضعة وبداخلها كان مجموعة من الشباب يهللون ويكبِّرون، وعلمت أنهم من المجاهدين، كانت الفرحة تكسو الوجوه ممزوجة بغضب بائن من تحجُّج الحركة و«جرجرتها» حسبما بدت في نبرات نائب رئيس وطني الولاية محيي الدين الذي أكد جدارة حزبه من خلال اكتساحه لمنافسيه في «22» دائرة ولائية في مقابل «10» دوائر نالتها الحركة، وأشار إلى أساليب التهديد والضرب والحبس التي مارستها الحركة خاصة في الدوائر التي فازت فيها حيث أبعدت حتى المراقبين ولم تنتج أية بطاقات تالفة في مجتمع حظه قليل من التعليم. العين الحمراء التي بات الوطني وبعض المواطنين ينظرون بها للحركة ظهرت في وجه القوى السياسية فعندما التقينا زعيم حزب الأمة الأمير/ عبد الرحمن أبو البشر دعا الرجل هارون إلى أن «يورِّي الحركة العين الحمرا» هكذا قالها، وكشف عن مساندتهم للوطني في الانتخابات، وقلَّل من عدم اعتراف الحركة بنتيجة الانتخابات وإشاعة بعض منسوبيها إحداث فوضى، وقال: «صبرنا عليها كثيرًا وعلى استفزازاتها وكل من يعمل على تخريب الولاية سنقف في وجهه وبكل الوسائل»، كان حديثا شجاعًا من أبو البشر خاصة وقد علمنا أنه يمقت الحركة وقد ظل حاملاً السلاح في وجهها طيلة أيام الحرب حتى إن إحدى يديه ليست في كامل عافيتها جرّاء رصاصة لعينة كادت تودي بحياته!!. كنا قبل وصولنا لكادقلي أدينا صلاة المغرب وتناولنا وجبة الغداء بمنزل معتمد محلية القوز عبد الرحمن الشريف، كانت عبارة عن أقاشي طاعم دون خبز، فمنزل الرجل يخلو منه، وكان الأمر أحلى ما يكون، ولعلَّ فوز حزبه أنساه أن يؤمِّن قوت بيته أو لعله شبع فرحًا بالفوز، ومحليته أسهمت في فوز هارون، فنتيجة ما تحقق من أصوات لصالحه يعادل ماحققته أربع محليات وهي نحو ستة عشر ألف صوت.. المعتمد من الشباب وهو من المجاهدين ومنسق سابق للدفاع الشعبي، تقلد منصبه قبل عشرة أشهر مما يدل على ذكاء هارون، ومهما يكن من أمر فالولاية أذاقت ناس الحلو الطعم المُر. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 15/5/2011م