خسرت قوي المعارضة حيال الموقف الأخير فى أبيي مرتين: مرة حين لم تتحل بالشجاعة السياسة الكافية- أو فى حدها الأدنى- لتدين مسلك الحركة الشعبية الذى دفع الأمور لهذا الموقف المعقد مما كلفها ذمتها الوطنية كونها غير عابئة بقداسة التراب الوطني السوداني ولا مهتمة بأمن البلاد القومي مما ينزع عنها أى ثقة – مستقبلاً – فى تولي قيادته البلاد لكونها مستهترة بالشأن الوطني لهذه الدرجة . والمرة الثانية حين ركزت كل انتقاداتها على المؤتمر الوطني واتهمته بأنه يتجه لإشعال حرب ، فالوطني ازداد قناعة على ان من الصعب ان لم يكن من المستحيل الاعتماد على هذه القوى المعارضة فى أى شأن وطني على الرغم من انه يجري حواراً متواصلاً مع هذه القوى المعارضة بغرض خلق توافق وطني شامل معها لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة . ولعل السبب الرئيسي فى خسارة القوى المعارضة للطرفين- الحركة والوطني – هو أنها ضعيفة ، فلا هي تضيف شيئاً وفى الواقع لم تضف شيئاً للحركة الشعبية بل واضطرت لاتخاذ موقف سال بهزّ ثقة الشماليين فيها أكثر وربما سحبها الناس نهائياً من حساباتهم ، ولا هي مثلت قيمة مضافة – بأى درجة – للوطني كل يتعامل معها معاملة سياسية أفضل ، ففي السياسة على وجه الخصوص ، فان المواقف فى الأزمات هى التى تحدد مستقبل التعامل ، ووزن العلاقات ومقدارها . لقد كان الحدث سانحة لهذه القوى لكي تكسب الوطني، لأن الأمور – ببساطة شديدة – وعقب أقل من شهرين من الآن – ماضية باتجاه خروج الحركة الشعبية نهائياً من المعلب السوداني عقب قيام دولة الجنوب فى يوليو المقبل . ولن تجد هذه القوى المعارضة سبيلاً لمنافحة الوطني و معارضته طالما أنها فقدت الحركة الشعبية ، وهذا أمر معروف ومن البداهة بحيث لا يحتاج لكثير عناء . قوي المعارضة ومهما كانت معطيات عقب التاسع من يوليو لا سبيل لها لأن تعيش سياسياً سوي بجانب الوطني و بقدر من التوافق معه ، فالحركة الشعبية فى خاتمة المطاف جعلت من نفسها (عدو) محتمل للشمال عموماً دون أن تفرق بين الحاكمين والمعارضين و لعل مما يؤسف له فى هذا الصدد ان قوي المعارضة هذه حتى هذه اللحظة لم تستفد شيئاً من مداهنتها و ممالأتها للحركة الشعبية ، بل على العكس الشعبية هى من ظل يستخدم هذه القوى – رغم عراقتها تاريخياً – لانجاز أهداف تكتيكية وهو أمر مشين ومؤلم ، ولكن القوى المعارضة ارتضته فقط لأنها ناقمة على الوطني . ولعل الطامة الطبري ربما تحل يوماً على هذه القوى المعارضة إذا أصبحت علاقات الشمال بالجنوب جيدة سواء بحكم المصالح ، أو لأدارك الحركة ألا مفرّ لها من تحسين علاقاتها بالوطني كهدف استراتيجي ؛حينها ستجد هذه القوى المعارضة نفسها لا فى العير و لا فى النفير !