الناظر إلى تطورات الأحداث المتصاعدة في جنوب كردفان، وأبيي والتصعيد المتعمد من جانب الحركة الشعبية، لا يجد صعوبة في الربط بين تحركات بعثة «اليونميس» والحركة الشعبية، وتكامل الأدوار بينهما وصولاً إلى تمهيد الطريق أمام مجلس الأمن الدولي لإصدار عقوبات جديدة أو إدانة قوية للسودان تفتح الباب أمام التدخل العسكري بحجة حماية المدنيين في تلك المناطق تحت الفصل السابع. وهذا السيناريو تعمل الأممالمتحدة من خلال بعثتها في المنطقة والحركة الشعبية لتحقيقه، عبر لعب أدوار محكمة ومنسقة. ولعل هناك شواهد ومعطيات كثيرة تعكس بشكل أو بآخر العمل المشترك لتحقيق ذلك السيناريو، ومن تلك المعطيات والمؤشرات يمكن استعراض ما يلي على سبيل المثال: 1/ أصدرت بعثة يونميس بياناً وصفت فيه الأعمال التي يقوم بها الجيش السوداني في أبيي وجنوب كردفان بأنها أعمال إجرامية ضد المدنيين. 2/ سارعت الأممالمتحدة نحو إجلاء «005» من رعاياها في المنطقة من موظفي الإغاثة وغيرهم إلى مقرها، وإرسال إشارات مخيفة لمجلس الأمن للتدخل. 3/ تعمدت الأممالمتحدة تضليل الرأي العام بأن الجيش السوداني يقوم باعتقال المواطنين والتعرض لهم في الطرقات. 4/ التصعيد العسكري من جانب الحركة سواء أكان في بداية الهجوم في أبيي أو كادوقلي، والذي استهدف المواطنين في جنوب كردفان، ينسجم مع الهدف لايجاد مبرر للتدخل لحماية المدنيين. 5/ التصعيد الأخير بدا وكأنه عملية استباق لجلسة مجلس الأمن الدولي حول أبيي غداً الجمعة، وهي خطوة فعلية لبداية التدخل العسكري والتمهيد له، في ظل تقارير البعثة التي تضع الجيش السوداني في خانة عدو المدنيين الذي يستهدفهم بأعمال العنف. جيش محتل لم يعد خافياً أن بعثة اليونميس ومن خلال تصريحات مسؤوليها وبياناتها، تريد تصوير الجيش السوداني وكأنه جيش محتل يستهدف المدنيين في أبيي وجنوب كردفان. ومعلوم أن الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة يبيح التدخل العسكري في حال ظهور الحاجة لحماية المدنيين في مناطق النزاع، ولعل الحركة الشعبية لعبت دوراً كبيراً في هذا الاتجاه، لخلق مثل هذه الأوضاع التي تفتح الباب واسعاً أمام التدخل تحت البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة. هدفان أمام الشعبية من خلال تحركات الجيش الشعبي يدرك المراقب السياسي أن الحركة منذ البداية كانت تسعى لتحقيق أحد أهم هدفين، الأول احتلال أبيي أو جنوب كردفان وفرض الأمر الواقع، وفي حال الفشل في تحقيق هذا الهدف تلجأ الحركة إلى تحقيق الهدف الثاني، وهو العمل على فتح الباب أمام أمريكا والغرب للتدخل تحت مبررات البند السابع. ولعل هذا ما يحدث الآن، ولا شك أن الحركة لن تُضار في الحالين، لأنها تضمن إلى حد كبير تعاطف تلك القوى التي ظلت داعمة لها منذ التمرد في الثمانينيات. لعب أمريكي على المكشوف الحكومة السودانية من جانبها وبعد أن أزالت قناع الدبلوماسية عن وجهها، اتهمت الولاياتالمتحدةالامريكية بالسعي المكشوف لإدانتها في مجلس الأمن الدولي لصالح الحركة الشعبية، ولم تقف الخرطوم عند هذا الحد بل ذهب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية إلى اتهام الولاياتالمتحدةالامريكية بزعزعة الاستقرار في أبيي والعمل على خلق أجواء من الفوضى. والولاياتالمتحدةالأمريكية عملت بكل ما تملك على تحريك القضية داخل مجلس الأمن الدولي لتدخل قواتها في المنطقة، لاعتقادها أن «أبيي» تعوم في بحيرة من النفط، إلى جانب تحقيق أهداف استراتيجية أخرى. الوصاية الدولية إذن وتأسيساً على ما تقدم، يبدو جلياً أن واشنطون تسعى لزعزعة الأوضاع في أبيي وجنوب كردفان، وتنشط داخل مجلس الأمن لإقناع الأعضاء باستخدام الفصل السابع. وبعثة الأممالمتحدة تمضي في ذات الاتجاه، وذلك عن طريق اتهام الجيش بارتكاب الأعمال الإجرامية في حق المدنيين، مما يتطلب حمايتهم، والحركة الشعبية تنسجم أدوارها تماماً مع الدور الأمريكي ودور «يونميس»، وصولاً إلى وضع المنطقة تحت الوصاية الدولية. وعليه يتوقع بعد تكامل هذه الأدوار، أن يصدر مجلس الأمن الدولي في مقبل الأيام إن لم يكن غداً الجمعة إدانةً واضحةً للحكومة والجيش تمهيداً لاستخدام البند السابع، وهو أمر يسيل له لُعاب القوى الدولية التي ترى في السودان «بعبعاً» يهدد مصالحها في المستقبل القريب، ولعلنا هنا لسنا بحاجة إلى ما ذكره وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق عما يشكله السودان من خطر في المستقبل لبلاده ومصالحها. الجدير بالذكر أن مجلس الأمن الدولي قد أصدر بياناً طالب فيه الجيش السوداني بالانسحاب من أبيي، وانتقد بعض الأعضاء ما سمُّوه احتلال أبيي من جانب الجيش السوداني، ويُشار إلى أن المجلس نفسه يسعى بقوة إلى تمديد فترة بعثة يونميس إلى ما بعد التاسع من يوليو المقبل، وهو أمر ينسجم تماماً مع الأهداف التي سبقت الإشارة إليها. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 9/6/2011م