في أعقاب الأحداث الدامية التي جرت فى ولاية جنوب كردفان ولا تزال تتداعي ، بما أعطي انطباعاً عاماً لدي المرقبين ان الحركة الشعبية خططت لحرب ، وتبدو عازمة على خوضها ، أو ان قادة الحركة فى الولاية وجراء فشلهم فى الانتخابات الأخيرة التى جرت فى مطلع مايو الماضي و بدافع الإحباط وهذا الفشل ، قد قرروا إشعال تمرد جديد على غرار التمرد السابق و صنع (جنوب جديد) ، فان قيادي بالحركة الشعبية فى منطقة مماثلة اخري وهو السيد مالك عقار والي النيل الأزرق كان يتحدث عن حديث الحرب والنار . عقار قال أنه لا مجال البتة بالنسبة لولايته للعودة للحرب وقدم تعهداً مغلظاً بذلك و قال انه تعهد للحكومة المركزية فى الخرطوم بألا تنطلق رصاصة واحدة على الاطلاق فى النيل الأزرق ، وقال عقار (لن أسمح بأي تفلتات وسأكون ضد من يطلق الرصاص حتى لو كان من الجيش الشعبي). كان واضحاً من لهجة الرجل ونبرات صوته المتهدجة وملامحه الصارمة أن (لديه حساباته الواقعية) ، ولعل أصدق دليل على حسابات عقار المختلفة تماماً عن حسابات رفقائه فى جنوب كردفان أنه عرض التوسط بين الطرفين ، الحركة والوطني فى جنوب كردفان ! و لهذا يثور هنا التساؤل ، تري على اى حيثيات بني عقار حساباته، ولماذا خالف حسابات رفيقه الحلو و بقية القادة فى جنوب كردفان؟ القريبين من عقار يقولون ان الرجل (يدرك إدراكاً عميقاً جداً) ان وجود قوات للجيش الشعبي في ولايته مهما كانت المبررات هو وجود على سبيل السماح من جانب الحكومة المركزية ولا مشروعية لهذا الوجود مطلقاً إذ أن الصحيح هو أن تنسحب اى قوات تابعة للحركة - وعقار قيادي فى الحركة - جنوب حدود 1956، إذن الرجل علي علم (بعدم صحة موقفه) ومن ثم لا يريد فى ظل هذا الموقف غير المشروع الدخول فى نزاع وحروب الخسارة فيها واضحة كالشمس ؛ كما أن نتائجها و مهما كانت لن تصل الى حد فرض إرادته على المركز. الأمر الثاني أن عقار يقود حزباً الآن ومعه الحلو وعرمان و يعلم ان الاحزاب السياسية غير مسموح لها بامتلاك قوات أو مليشيات عسكرية وفى هذه الحالة ربما فقد حزبهم هذا مشروعيته القانونية حين يتم تخييرهم ما بين الاستمرار كحزب بلا قوات او نزع سلاح القوات بالقوة . الأمر الثالث ان عقار بدا شديد الإيمان بأن الحركة الشعبية الأم فى الجنوب ليس فى مقدروها أن تفعل حيالهم شيئاً ، فهي ضعيفة و تواجه تحديات جسام و قد اقترب موعد اعلان الدولة ومن الأفضل ان يتعاملوا (بالسياسة) مع الوطني. أما الحلو و رفاقه فيبدو أنهم يراهنون على(عامل خارجي) ولكن عقار يراه فى خاتمة المطاف عامل غير مضمون ، لأن المشكلة الوحيدة فى جنوب كردفان هى فقط أبيى وهذه يمكن حلها بالاستفتاء ، أما كون ان الحركة خسرت الانتخابات أو ادعاءات التهميش او غير ذلك فهذه ليست مبررات. وهكذا، فان عقار يبدو شديد التحسب للأمور ومدرك للمدى الذى على الحركة مدّ رجليها فيه ، وهذا وحده دليل على ان الحركة فى الشمال خبا بريقها وتقترب من التراجع لحجمها الصغير الأساسي !