دعا المتمرد مالك عقار الحكومة السودانية الى وقف إطلاق النار والجلوس للتفاوض. وأدعي عقار بحسب أنباء من مدينة الكرمك ان الحكومة السودانية تستهدف المدنيين الذين سقط منهم برصاصها العشرات. وطالب عقار المجتمع الدولي بممارسة ضغط على الحكومة السودانية لوقف قصفها للمدنيين – على حد زعمه. الحكومة السودانية من جانبها نفت نفياً قاطعاً تعرضها للمدنيين. ولعل هذه هى المرة الأولي التى يطالب فيها المتمرد عقار بوقف القتال الذى بدأه مطلع سبتمبر الماضي. كما ان هذه المرة الأولي التى يطالب فيها عقار ب(العودة للتفاوض)، ذلك ان أغرب ما فى الامر هنا ان عقار قبل تمرده كان الباب مفتوحاً أمامه للحوار والتفاوض مع الحكومة السودانية فى أى أمرٍ شاء؛ وكانت خياراته السياسية فى هذا الصدد لا تعد ولا تحصي، فهو والي لولاية غنية بالموارد وذات موقع استراتيجي حيوي هام، ويحوز على ثقة ممتازة من المركز خاصة بعدما وقف موقفاً مناهضاً لتمرد رفيقه الحلو فى جنوب كردفان . كل الذى كان عليه ان يوفي به كنتيجة طبيعية لأية مفاوضات هو ان يقبل إجراء ترتيبات أمنية لقوات الجيش الشعبي التى كان وجودها يصادم الدستور والقوانين السودانية و القانون الدولي والأعراف الدولية. والأكثر غرابة من كل ذلك ويدعو فعلاً للتعجب ان هذه القوات تتبع للجيش الشعبي بجنوب السودان وهى تحت إمرة رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، وتتلقي رواتبها من هنالك وقد كشفت لجنة التحقيق المركزية فى أحداث النيل الازرق مؤخراً وجود حساب مصرفي بفرع البنك الزراعي بالدمازين لتمويل ذلك الجيش وتمويل أى عمليات تمرد يقوم بها. كل هذه المثالب كانت الفرصة مواتية لعقار للتخلص منها وإفساح المجال السياسي بحيث يتحقق لحركته وجوداً فى الساحة السودانية وفق المتغيرات والمعطيات الجديدة ويجرب حظه فيها. عقار أغلق عقله وعينيه وأذنيه عن كل ذلك واختار العمل المسلح ظناً منه أنه – وبضربة واحدة – أو كما درج ان يقول (هجمة واحده) يستطيع ان يجبر الخرطوم على القبول بما يريد. الآن مضي أكثر من شهر والرجل يتراجع والأمور تتبدل من حوله ويجد نفسه لاجئاً ذليلاً فى العاصمة الاثيوبية أديس ابابا! ولعل أكثر ما ضغط على أعصاب عقار فى هذا التوقيت ودفعه دفعاً لطلب وقف القتال والعودة للتفاوض، الزيارة التى قام بها رئيس جمهورية جنوب السودان الى الخرطوم مؤخراً ومناقشة الملفات الساخنة التي تأتي فى مقدمتها منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان . عقار أدرك بعد فوات الأوان ان الوقت يتسرب من بين يديه، وان الدعم الجنوبي فى طريقه للتراجع والنفاذ وان جوباوالخرطوم تجمعهما مصالح مشتركة هى أكبر بكثير من مصالح الحلو عقار التى لا تعتبر لدي حكومة جنوب السودان أكثر من كونها (أورق لعب مؤقتة) نزلت على المائدة فعلاً ولم تعد ذات قيمة! ان هذا النداء المتأخر من جانب عقار ليس سوي بمثابة دليل إضافي قاطع على ان الرجل جري استخدامه (لهدف ما) وحان أوان التخلص منه ؛ وأما إدعاء قصف المدنيين فهو مضحك لأنه لو كان صحيحاً لما انتظرت الأممالمتحدة وبعض القوى الدولية عقار لكي يحدثها عن شأن كهذا فالرجل يبدو متأخراً عقوداً وسنوات فى مضمار الفن الدعائي والمؤثرات السياسية، ويريد استدرار عطف المجتمع الدولي ليحول بينه وبين الفناء والتلاشي المحتوم، ونسي عقار كم من رفاقه، وكم من قوي المعارضة السودانية استخدمتهم الحركة الشعبية كأوراق لعب و (غامرت بهم ) وقايضت و باعت واشترت! وقد جاء الدور الآن لعرضه فى السوق السياسي والحركة غير مقيدة بقبول أقل أو أعلي سعر !