تحليل سياسي لكي لا تلتبس الأمور فى الأذهان – وهذا هو هدف الحركة الشعبية – فان الأحداث الدامية التى تشهدها جنوب كردفان هي بمثابة خروج على القانون، فقد بادرت الحركة الشعبية هناك بالقيام بأعمال عنف (قصف مدفعي من الجبال) وإطلاق للنيران على المقار الاستراتيجية واستهداف رئاسة حكومة الولاية فى سياق خطة مقصودة تقتضي أحد أمرين : إما أن يعود التمرد للولاية من جديد لاصطناع أزمة وإعادة إنتاج مشكلة الجنوب مرة اخري فى مكان مختلف ، أو ان يتدخل المجتمع الدولي (مجلس الأمن على وجه الخصوص) وتصبح المنطقة شأناً دولياً خالصاً و لهذا فقد ثبت ان عبد العزيز الحلو – فعلياً – قد تمرد و أتلحق بالقوات الخارجة علي القانون. المحك هنا فى هذه الأزمة أنها لا تقوم على أساس، فان قلنا إن الحركة لم ترض نتيجة الانتخابات العامة، فالطريق للتعبير عن عدم الرضا هذا ليس هو طريق الخروج على القانون والتخريب وحمل السلاح فى وجه سلطة منتخبة ، وإن قلنا ان الحركة غير راضية عن نشر الجيش الحكومي وبسط سيطرته على منطقة أبيي ، فان قضية أبيي تخص جنوب السودان ولا تخص بحال من الأحوال الحركة الشعبية فى جنوب كردفان ، وهذه نقطة بالغة الأهمية والحساسية تستغلها الحركة الآن لتغبيش الرؤية ومخادعة الرأى العام المحلي والدولي و الإقليمي ، بل إن الحركة بهذه المسلك تبتز الشمال ابتزازاً بشعاً لكونها تحاول إخافته بعودة الحرب والتمرد وقيام جنوب جديد والعودة لذات المربع وتدويل القضية واستجلاب قوات دولية وهى دون شك مغامرة ومخاطرة كبيرة من الصعب أن تصمد أمامها الحركة الشعبية ولعل فى إشارة مالك عقار التى تعهد فيها بعدم قيام (عمل مماثل) فى ولاية النيل الأزرق خير دليل على أن (خطة كهذه) لن تكون أبداً ناجحة و هو أيضاً ما أكده نائب الرئيس السوداني على عثمان طه الذى قطع بأن من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يتغلب تمرد كذا على الحكومة ، كما أكد بأن ما يجري هو خروج على القانون والنظام لا مبرر له. إذن نحن أمام حالة لا تخلو من سوء تقدير ونظر غير سديد لواقع ماثل ، فقد أعتقد قادة الحركة فى جنوب كردفان إنهم - بطلقة واحدة أو طلقتين - إما ان يرغموا السلطة المركزية فى الشمال على منحهم الولاية ليحكموها ويتنازلوا للجنوب عن أبيى ، أو أن يواجهوا قرارات مجلس الأمن والتدخل الدولي و لا يبدو من مسار الأحداث أن أياً من هذه الخيارات سهلة الحصول .