أياً كان مصير المبادرة الإثيوبية فى ظل تواتر أنباء عن عدم توصل الأطراف الى اتفاق حولها، فان الحركة الشعبية فى شمال السودان تبدو فى حاجة ماسة (لحل)! فقد كان واضحاً ان عمليات التمرد فى جنوب كردفان تشهد تراجعاً عقب اضطرار قائد التمرد هناك، عبد العزيز الحلو الى اللجوء الى جمهورية جنوب السودان وعقب اتضاح ان الحلو ضاقت عليه مساحات الولاية الرحبة ولم يعد يقوي على إلثبات ولا العمل انطلاقاً منها. من جانب آخر فان والي النيل الازرق مالك عقار يبدو ان حساباته السياسية هى الاخري بدأت تدق ناقوس الخطر فى ذهنه السياسي، فالرجل أمسك العصا من نصفها محاولاً لعب بولوتيكا كان واضحاً أنها بولوتيكا غير واضحة العالم ، فلا هو أوضح موقفه بجلاء بحيث يحترم التفويض الانتخابي الحاصل عليه ومن ثم يشكل لبنة فى منظومة البناء الوطني لدولة السودان بما أثار شكوك الحكومة فى الخرطوم حوله ؛ ولا هو فى المقابل وقف موقفاً واضحاً بجانب رفقائه الذين تمردوا، وكان ذلك واضحاً فى الانتقادات التى وجهتها له الحركة الشعبية الحاكمة فى جمهورية جنوب السودان، بما زاد من ارتباك حسابات الرجل. وما من شك ان عقار حين استجار بالرئيس الإثيوبي زناوي كان ذلك آخر ما فى جعبة الرجل، فهو يعلم ان حضور إثيوبيا داخل الملف ضروري لأن أى تفكير فى اتخاذ خطوة تمرد يستلزم وضع العامل الإثيوبي موضع الاعتبار، وبعد ان تبيّن ان التعويل على المبادرة الاثيوبية من جانب عقار قد تجاوز الحد المعقول بحيث أراد الرجل وبمعية رفقائه عرمان والحلو الحصول على مكاسب سياسية أكبر من حجم حركته وهو ما لم يكن له صلة بالواقع ولا بالوقائع . فقد كان من المحتم ان تجري إعادة نظر وإعادة صياغة للمبادرة؛ وتبدو إشكالية عقار فى ان من هم برفقته فى الحركة لا يضعون اعتباراً لحجم الحركة وطبيعة الملعب السياسي واستحالة ان تصبح الحركة – دون معطيات واقعية – هى اللاعب السياسي الرئيسي المحاذي للحزب الحاكم ؛ فحتي فى السابق وحين كانت الحركة الشعبية بحجمها السابق - جنوباً و شمالاً- كانت تلعب فى (مساحة محدودة) حتمتها الأوزان . الآن الحركة فى جنوب السودان تحرك قِطَعْ الحركة فى الشمال بمنتهي الاستهتار السياسي ظناً منها أنها تستطيع ان تصنع منها حركة حاكمة أو شريكة فى الشمال تمرر سياسات عجزت عن تحقيقها الحركة الأم نفسها. يستطيع عقار الآن ان يحسب حساباته من جديد بعيداً عن الرؤي السياسية الفظة والغليظة، ولعل اكبر خطأ يمكن أن يزيد من مأساة الرجل أنه يتجاهل طبيعة الأمور والمعطيات القائمة حالياً فى السودان!