في الأخبار أن عبد الحميد موسى كاشا والي ولاية شمال دارفور، أعلن استعداده للتنازل عن منصبه للمدعو عبد الواحد محمد نور، نزيل باريس، مهراً لسلام دارفور فيا للعجب! وليس محل العجب في أن يتنازل الوالي عن منصبه، بل العجب في أن يكون ذلك التنازل لعبد الواحد الذي خان شعبه قبل أن يخون وطنه، رجل تمسّح بأقدام إسرائيل العدو الأول «لا أقول للعرب» بل للعدل والحق والدين، ولعَقَ أقدامها الخائضة في دماء الفلسطينيين، وسكب في بطنه المنتفخ من مالها المغموس بدموع وعرق الفقراء في قطاع غزة واليائسين في الضفة الغربية، كيف لرجل هذا شأنه، عبّد طريقا إلى إسرائيل لم يكن مطروقا مِن قبلِهِ، فعليه وزره ووزر من سار فيه إلى يوم القيامة. كيف له أن يحكم أهل دارفور محمل الكسوة وأبيار علي دينار. إن من أخطر ما فعلته اتفاقيات السلام ومفاوضات التنازلات، أنها تطبعّ الناس على تقبل ما لا يجوز تقبله، والتغاضي عن خطايا لا يعقل أن يتغاضى عنها، إن عدم وضوح المرجعيات والغباش في رؤية الخطوط الحمراء جعلت عيون التفاوض لا تفرِّق بين ثائر وخائن، ولا بين مطالب بالحقوق نظير السلام، ومطالب بالأجر نظير التخلي عن العمالة. ولعلَّ ما جرّته علينا المفاوضات والاتفاقيات من فوضى «ولا أظن حكومةً في العالم فاوضت كمية المفاوضات التي فاوضتها الإنقاذ!» لعل ذلك يقتضي وضع قانون للتفاوض يوافق عليه الشعب ويقره البرلمان، يكون دستورا هاديا للمفاوض الوطني في كل زمان ومكان، قانون واضح المعالم يبيّن حتى لمن يتمرد ويحمل السلاح الحدود الفاصلة بين كونه متمردا وبين كونه عميلا. إنّ أمثال محمد نور يجب أن يكونوا ممتنّين إن منحتهم اتفاقية سلام دارفور حق العيش في دارفور مرة أخرى «وهل يعود لدارفور من ينعم في فنادق باريس؟ّ!» إنّ أمثال محمد نور لم تكن دارفور من همومهم ولا أهدافهم، وإلّا لما دخلوا في رحاب مساعدات إسرائيل ودعمها، إذ أنّ مصلحة إسرائيل على خط التضاد مع مصالح دارفور وأهلها، فالتنمية والاستقرار هي مراد إنسان دارفور ومناط مصالحه، وذلك يعني عند إسرائيل استقراراً للسودان ودخولاً لدارفور في دورة اقتصاد السودان داعمةً له بمواردها الهائلة، وهذا يصب في صالح السودان البلد العربي المسلم، فهو إذن ضد مصالح إسرائيل. إن مصلحة إسرائيل هي في تمزق دارفور، واستحرار القتل والنهب فيها، وانعدام الأمن والاستقرار، حتى لا تكون دارفور للسودان إلّا شوكة مؤلمة، وإلّا عثرة في درب تقدمه وازدهاره،. إنّ مصلحة إسرائيل في استدامة القتال في دارفور، واستبداد الخوف وهروب التنمية، وإن كانت إسرائيل تدعم عبد الواحد أو غيره من حركات دارفور فلأنهم يحققون لها هذه المصلحة، ويُقرُّون عينَها برؤية أحلامها في تدمير دارفور والسودان وهي تتحقق. فكيف إذن يستقيم أن يُعتبر أمثال هؤلاء مناضلين من أجل شعوبهم؟! وحدها علاقتهم الشائنة بالكيان الصهيوني كافية لنزع كل صفة للنضال عنهم. فأنّى يُراد لهم أن يعودوا لدارفور عودة الفاتحين؟ بل لا يعودون إن شاء الله إن عادوا- إلاّ أذلّاء مخذولين منبوذين من شعب دارفور المؤمن قبل بقية الشرفاء من أبناء السودان. وإلّا فليموتوا ميتة الكلاب الضالّة في أزقّة باريس بلا بواكي لهم، ولتصب من بعد فوق قبورهم لعنات كل الدماء التي سالت في دارفور بلا طائل. فمن قال إذن للسيد كاشا أو غيره إن حكم أهل دارفور هبة تعطى ومنحة تُطرح للرهان على موائد التفاوض؟؟ إنه عطاء من لا يملك لمن لا يستحق! فليأتِ «نور» إن سمح له أهل دارفور، وليخض الانتخابات بنزاهة بلا تهديد بالسلاح أو «بالنجمة» أو «بالهجمة»، ولنرَ إن كان سيفوز... ولعلّه... كما «فاز» الحلو! نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 23/6/2011م