مع أن ولاية النيل الأزرق التي عادة ما يتم تصنيفها ضمن المناطق الثلاث التي جرت معالجة أوضاعها ضمن اتفاقية نيفاشا 2005 مع كونها تقع في الشمال والاتفاقية متعلقة بالجنوب, مع أن هذه الولاية لا تزال حتي الآن هادئة وتبدو كمن وعت درس جنوب كردفان, إلا أن أحداً ليس بوسعه- وفقاً لمنطق السياسة الذي لا يخلو من تقلبات- أن يتصور أن الأمور ستمشي في هذه الولاية علي ما يرام. فالفريق مالك عقار والي النيل الأزرق وان بدا غير راض عن ما جري من جانب رفيقه الحلو في جنوب كردفان إلا أنه في الواقع كان جزءاً من المحادثات السرية المطولة التي جرت في واشنطن قبل أسابيع مع مسئولين أميركيين في الرحلة الشهيرة التي قام بها عقار بصحبة عرمان والحلو. ويصعب القول هنا أن الحلو فاجأ الفريق عقار بتمرده, كما يصعب القول ان الثلاثة لم يتوافقوا علي تكتيك أو إستراتيجية خاصة بهم عقب التاسع من يوليو 2011 بغرض الحصول علي ترتيبات دستورية جديدة ومكاسب سياسية تصنعهم في دائرة الفعل السياسي. ربما كان الأمر يجري في سياق تبادل أدوار, أو ربما كان عقار لديه حسابات خاصة بحسب معطيات ولايته, ولكن لا أحد بحسابات العمل السياسي ومفاجاته يضع عقار في موضع متعقل بعيد كل البعد عن الإطار العام الذي خططته الحركة لنفسها في الشمال للمرحلة الحالية والمرحلة المقبلة. ولهذا تشير مصادر سياسية مطلقة في الخرطوم الي أن الحكومة المركزية اتخذت التدابير اللازمة الكفيلة بمواجهة أي حدث مماثل لما جري في جنوب كردفان. ولعل مكمن الخطأ في النهج الذي تنتهجه الحركة الشعبية في الشمال أنها تريد خلق وزن سياسي أكبر من وزنها الطبيعي في ظل معطيات مختلفة. صحيح ان اتفاقية السلام الشاملة أعطت المناطق الثلاث, النيل الأزرق, جنوب كردفان, أبيي وضعاً خاصاً. وصحيح أيضاً أن هذه المناطق الثلاث لديها قضاياها ومشاكلها, ولكن الحل الوحيد المناخ لكل من النيل الأزرق وجنوب كردفان هو (إعادة إدماجها) في الشمال وتسريح وإدماج قواتها وإجراء المشورة الشعبية لمعالجة أي نقص في أي جانب من جوانب الاتفاقية بالتراضي والحوار والتفاوض بعيداً عن أسلوب الضغط وحمل السلاح. وهكذا فان ولاية النيل الأزرق بهذه المثابة أمامها فرصة جيدة – إذا تحلت بالتعقل اللازم – للنأي بنفسها عن مزالق التمرد, ففي النهاية فان حمل السلاح لم يعد وسيلة مناسبة بعد ما اتضح للجميع أن الحوار والتفاوض هو الحل.