نشرت صحيفة "ذي تايمز "البريطانية تحقيقا لمراسلها في جوبا يتحدث فيه عن عمليات واسعة لبيع الأرضي في جنوب السودان ويقول ان حوالي 10في المائة الخصبة في المناطق الريفية بيعت الي مستثمرين مختلفين .وفي ما يأتي نص التحقيق :قبل الإعلان عن استقلال جنوب السودان بأسبوع قام مستثمرون بشراء حوالي عشر أراضى الدولة الجديدة في سلسلة من صفقات بيع الأراضي الكبيرة يقول عنها الباحثون أنها تحرم الدولة الناشئة من حقها في الاستقلال . فقد بيع ما يقارب 9في المائة من مجموع أراضى الجنوب السوداني لمشاريع استثمار متنوعة حسب دراسة أجرتها هيئة معونة الشعوب النرويجية وهي هيئة خيرية . وقامت شركات أجنبية وحكومات وأفراد يستثمرون في ميادين الزراعة والوقود الحيوي والإخراج بتوقيع عقود إيجار لما لا يقل عن 2,6مليون هكتار وهو ما يوازي مساحة مقاطعة ويلز البريطانية في اكثر القطاعات خصبا في البلاد ويقول ديفيد دينغ مؤلف التقرير ان الأرقام مذهلة وحجم بعض الصفقات هائل ولا نتوقع ان نعثر علي أي شيء مثل هذا .ولما يطلع الفجر علي أبناء الشعب وما يدفع الاستثمارات في جنوب السودان مثل أماكن أخرى في أفريقيا هو مغامرة بسيطة ..فالنمو السكاني سيزيد من الطلب علي الطعام مثلما يحدث في حال تغير المناخ حيث انه يقلل من حجم الأراضي الخصبة ويحول الأراضي الزراعية الي سلعة تزداد قيمة وعشية الأزمة المالية العالمية فان صناديق التقاعد والمضاربات التي تتطلع الي استثمارات امنة ذات مردود جيد أدت الي "هجمة الأراضي "حسب قول المهندس الزراعي هينك هو بيلينك ،المؤسس المشارك لمنظمة الترويج والأبحاث الغذائية "غرين ". وتقول انارادا ميتال المديرة التنفيذية لمعهد او كلاند للدراسات التي اجري أبحاثا عن صفقات الأراضي في أفريقيا ومقره كاليفورنيا ان "كل فرد يتحدث عن تامين الغذاء ولو انك أزلت القشرة فانك تجد ان الأمر يقتصر علي مستثمرين يهدفون الي الحصول علي عوائد مجزية ".وقال ميتال ان المستثمرين في بعض الأحيان يقدمون لزعيم القبيلة "زجاجة من ويسكي جوني ووكر "مقابل الحصول علي الأرض . ولا يصدق ذلك اكثر من هو في جنوب السودان الدولة المستقبلية الهشة التي قامت أخيرا بنتيجة حرب أهلية كارثية ولا تنفذ فيها المؤسسات والقوانين وحقوق ملكية الأرض إلا بمستوي قليل . ويقول مدير الأراضي جان ليدانغ ان "هناك أشخاصا يفيدون من هذه الدولة الجديدة بعد الحرب .وليس من قبيل الصدفة انهم وصلوا الي هناك مباشرة بعد الحرب .وقام المستثمرون بأجراء اتصالات علي المستوي المحلي ،مع زعيم قبيلة محلي مفوض مقاطعة او حاكم ولاية فيحصلون بسرعة علي الأرض مقابل ما يقارب اللاشيء "وقد توصل بعض المستثمرين الي صفقات بسعر 4بنسات للهكتار .وهناك صفقتان تعتبران من اكبر الصفقات و أكثرها إثارة للجدل وتخصان شركات أميركية .وحسب مستندات اطلعت عليها صحيفة "ذي تايمز "فان شركة النيل للتجارة والتنمية ومقرها ولاية تيكساس دفعت 17 آلف جنية فقط للحصول علي عقد ل49سنة مقابل 600 آلف هيكتار مع الحق في الزيادة الي مليون هيكتار . وقد وقعت شركة "إدارة جارش " في نيويورك عقد مشاركة مع شركة محلية هي لياس للزراعة والاستثمار "التي يديرها أحد أبناء زعيم متشدد للمقاتلين يدعي بولينو ما تيب لتطوير 800الف هيكتار في ولاية "يونيتي "الغنية بالنفط ويشعر النشطاء بالقلق من ان يضطر الأهالي الي الجلاء عن أراضيهم وان لا تخضع عمليات تدمير البيئة الي الرقابة وان تحجب الأسوار الوصول الي المياه وأراضي الرعي . وقد وجهت مثل هذه القضايا بالرفض العنيف في السودان .وضمن جذور الصراع الأخير بين الشمال والجنوب في السودان حول المنطقة المتنازع عليها آبيي التي أجبرت 100الف نسمة علي الفرار من مساكنهم وكان هناك خلاف حول الوصول الي أراضى الرعي .وكتمت ردود الفعل علي صفقات قطع الأراضي التي حصلت في أعقاب اتفاق السلام للعام 2005.وقال السيد ليدانغ "كل شيء يتم طي الكتمان ولا يعرف الأهالي ماذا يحصل " لقد كان ثمن استقلال الجنوب السوداني 22سنة من الحرب الأهلية ومقتل اكثر من مليوني شخص . وقال "بعد الفوز في الحرب فانه لا بد لجنوب السودان أن يتحاشي فقدان أراضيه "ولقد أصاب حجم صفقات الأراضي حكومة الجنوب السوداني بالذهول وبعد قراءة التقرير قال نائب برلماني "لن يبقي مكان لدفن الموتى علي ضؤ السرعة التي نفقد فيها الأراضي "وقد شكلت الحكومة لجنة برلمانية وتدرس فرض موعد نهائي وان كانت هناك أولويات أخرى .ان الانفصال بين الشمال والجنوب أمر محتم إلا انه لم يتفق علي كيفية المشاركة في عوائد 500الف برميل من نفط الجنوب يوميا أو أعباء المديونية السودانية الأجنبية وقدرها 24مليار جنيه إسترليني . ان الصراع المستمر علي الحدود في آبيي وجنوب كردفان يهدد بعودة البلاد الي حرب أهلية .اما المعركة بشأن ملكية الأراضي في الجنوب فهي معركة أخرى يصعب ان تتمكن هذه الدولة الفقيرة ان تحملها . ويقول ليانغ ان "الأرض تتداعى بسرعة كبيرة .وقد فقد معظم الأراضي الخصبة في وقت ينمو فيه عدد السكان بسرعة وسيخلق هذا مشاكل في المستقبل القريب لا ريب " نقلا عن صحيفة الوفاق بتاريخ :3/7/2011