أول ما يمكن أن يُلاحظ على الوثائق التى باتت تشتهر باسم (وثائق باقان) هى ان أحداً من قادة الحركة الشعبية لم يجارِ باقان فيها، وإن شئنا الدقة و الإيضاح أكثر ، فان بقية قادة الحركة - ربما باستثناء القيادي دينق ألور نسبياً- لم يجد فى نفسه الحماس الكافي لركوب موجتها البادرة غير الصالحة أبداً للملاحة . وهذه النقطة فى واقع الأمر نقطة محورية، دلالتها العميقة أن باقان وحده ، أو ربما برفقته قلة قليلة جداً هى التى قادت (الهجوم الوثائقي الفاشل) ، لأسباب و دوافع محدودة أغلب الظن ، كما وافقنا فيها الرأى القيادي البارز بالمؤتمر الوطني السفير الدرديري محمد أحمد، و هى دوافع خاصة بمنطقة أبيي. ولإيضاح الصورة أكثر، فان أموم و بالاشتراك مع أبناء أبيي بالحركة، أرادوا إثارة أزمة فى هذا التوقيت بالذات (منتصف مارس) على اعتبار انه التوقيت الذى من المقرر فيه انتهاء فترة إشراف البعثة الأممية على الأوضاع فى أبيي بعدما أستجلب ألور و معه بعض قادة وحدات من الجيش الشعبي تحت قبعات و شارات شرطية لترابط فى أبيي ، وكانت تنتابهم المخاوف من أن يتم التجديد ويمتد أمد الأزمة . و من المهم هنا أن نلاحظ - بقدر غير قليل من النظر العميق – أن أموم درج على المبادرة بمواقف تصعيدية خطيرة و صعبة علي قدرات الحركة وحلفائها بجرأة ظلت تكبد حركته خسائر سياسية فادحة ، دون أن يتعرض لمساءلة داخل المكتب السياسي ، او يستهجن مواقفه أى من قادة الحركة مع أن غالبهم (عقلاء و غير عقلاء) لزموا الصمت مراراً فى كل أزمة او خطوة تصعيدية يقوم بها الرجل . غير أن هذه ليست نهاية ملاحظاتنا ، فقد تلاحظ ايضاً أن الأزمة لم تأخذ البعد السياسي الضخم الذى استهدفه أموم ، فقد كان فى مخليته يتصور ان الدنيا ستقوم وتقعد، و أن الأوضاع سوف تتفجر و تتعثر – الى أمد غير معلوم – المفاوضات و تجد الحكومة المركزية فى الخرطوم نفسها فى مأزق ، و ينضم حلفاء الحركة الدوليين (لا سيما الولاياتالمتحدة) لموقف الحركة و يضعف موقف المؤتمر الوطني تماماً ، و يسارع لتقديم أقصي حد من التنازلات ، وفى مقدمتها أبيي التى يتعشم باقان أن يستلمها كاملة. ولكن- وببساطة شديدة - سرعان ما إلتأم اجتماع رئاسي بين البشير و نائبه الأول رئيس حكومة الجنوب سلفا كير وتقرر معاودة المضي قدماً فى الحوار والتفاوض ، دون أن تتعقد الأوضاع او تتعثر المفاوضات. و يستخلص من هذا الموقف أن المكتب السياسي او على الأقل الصف الاول من قادة الحركة لم يصدروا قرار التعليق او أنهم لم يدرسوا الموضوع من أساسه، او أن الأمر فى مجمله لم يتعد الموقف التكتيكي القصير المدي لأموم و حلقته الضيقة! ومن ثم أرادت قيادة الحركة التبرؤ منه ضمناً . الملاحظة الرابعة ان اموم أعاد إرسال رسالة سبق إرسالها وجاء الرد عليها، أو أنه أعاد استخدام منديل ورقي عادة و كما هو معروف يستخدم لمرة واحدة فقط ، فقد أكد وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين فى مؤتمره الصحفي ان الوثاق سبق عرضها, واطلعت عليها قيادة القوات المشتركة ومن بينهم قادة الجيش الشعبي وسخروا منها ومن سذاجتها (بحكم خبرتهم العسكرية) وبحكم معرفتهم بطريقة المكاتبات المتبعة ، وما إذا كان من المعتاد إجراء مكاتبة – بهذه البساطة – فى شأن أمني خطير . و لا يُعرف حتى الآن السبب الذى حدا بأموم بإعادة استخدام ذات الوثائق مرة أخري لتصعق الدهشة بقية قادة الحركة و قادة الجيش الشعبي! بمن فيهم زعيمها الفريق كير . اموم فى الواقع قاد هجوماً فاشلاً بسلاح فاسد فاقد الصلاحية ، كان من الطبيعي أن يصيبه هو وحده!