تحليل سياسي وفقاً للأعراف الدولية ، فإن اعتراف إسرائيل بدولة جنوب السودان خاصة بمثل هذه السرعة يستلزم بالمقابل وربما بذات السرعة اعتراف دولة جنوب السودان بإسرائيل وذلك كله تمهيداً لإنشاء علاقات دبلوماسية بينما بدأت إرهاصاتها الأولى بتسمية (لاجئ جنوبي) في تل أبيب يدعي (بيس تيانق) قنصلاً لجنوب السودان في تل أبيب وإذا أدركنا سر مسارعة إسرائيل للاعتراف بدولة الجنوب بهذه السرعة وكون أن الدولة العبرية تعيش أزمة إحتمال حصول دولة فلسطين علي اعتراف دولي وتشن حملة دولية شرسة للحيلولة دون بلوغ هذا الإعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فإن مسارعة الجنوب من جانبه لتسمية قنصل والسعي للاعتراف بإسرائيل وإن بدا أمراً محتملاً بالنظر للعلاقات الخفية الممتدة بين الطرفين والتي لن يضيف لها الإعتراف الرسمي جديداً إلاّ أن هذه العلاقة الرسمية لجنوب السودان وهو بعد دولة وليدة في طور الإنشاء مع اسرائيل في ظل حاجة دولة الجنوب الملحة للمحيط العربي والإسلامي القريب سواء في المجال الاقتصادي (الاستثمار) أو السياسي يبدو أمراً شديد الخطورة علي دولة جنوب السودان . صحيح أن من حق الدولة الجنوبية أن تقيم ما تشاء من علاقات مع من تشاء وصحيح أيضاً أن علاقاتها (الوثيقة جداً) مع الولاياتالمتحدة هي بالضرورة بمنطق العلاقات الدولية وطبيعة علاقة تل أبيب وواشنطن هي علاقة مع إسرائيل ، ولكن كل ذلك شيء والاعتراف رسمياً بالكيان الإسرائيلي بهذه السهولة والبساطة شيء آخر ولا يخلو من ثمن هذا الوضع السياسي لجنوب السودان أكبر بكثير من أن تحتمله معطيات الدولة الناشئة ، فهناك شمال السودان الدولة الأم والتي يعرف القاصي والداني أنها ضد أي وجود إسرائيلي في أي بلد أو منطقة دعك من إقامة علاقات معها ودولة الجنوب في مسيس الحاجة ربما لسنوات طويلة الي الشمال وتربطها به شاءت أم أبت مصالح شتي بعضها بمثابة (القصبة الهوائية) بالنسبة للجنوب . في الوقت نفسه فإن الشمال مرتبط بفلسطين ونصير للقضية الفلسطينية وسيكون من المستحيل علي جنوب السودان الوقوف ضد دولة فلسطين باعتبار حقها التاريخي المعترف به دولياً وعلي مستوي الجمعية العامة للأمم المتحدة ففي ذلك تناقض لأن جنوب السودان ظل يدير قضيته على ذات الحق مع الفارق الشاسع بين الإثنين كون أن الجنوب جزء من دولة ، مارس في إطارها حقه في الإنفصال ، ولكن قضية أرض اغتصبتها اسرائيل بالقوة وتحاول عرقلة قيام الدولة فيها . هذا الوضع بالنسبة لدولة جنوب السودان الناشئة من شأنه إحداث اختلال منذ الوهلة الأولى في مبادئها والأساس الذي قامت عليه ، عوضاً عن احترام الدول القريبة منها وهي لا محالة في حاجة إليهم بمقتضى المصالح التي عادةً ما تقوم على أساسها العلاقات الدولية .