لا يبدو ان بعثة الأممالمتحدة التى كانت مكلفة بمراقبة اتفاقية السلام الشاملة والمعروفة اختصاراً باليوناميس ، لديها فرص بقاء والحصول على تمديد جديد فى شمال السودان؛ فقد بادرت الحكومة السودانية منذ أكثر من شهرين – قبل انقضاء الفترة الانتقالية – بإخطار الأمانة العامة للمنظمة الدولية بضرورة سحب البعثة بحلول التاسع من يوليو موعد انقضاء أجلها المضروب وفقاً للتفويض الصادر بشأنها. الأممالمتحدة لم تجد أمامها سوي الرضوخ للطلب السوداني كأمر حتمي سواء بسبب ان القوات جاءت بموجب الفصل السادس وبموافقة الحكومة السودانية، أو لأن الجدوي المرتجاة من وجودها قد تضاءلت عقب مرور عملية السلام بسلام ، حيث جري الاستفتاء وتقرر مصير الجنوب وقامت دولته واعترف بها الشمال وأبدي رغبة أكيدة فى إنشاء علاقة أخوية وحسن جوار جيد معها. إذن ما الحاجة لهذه القوات فى الشمال بعدما تم كل ذلك ؟ غير ان الأمين العام للأمم المتحدة رغم إدراكه لكل هذه الحقائق وإقراره بها صراحة فى غير ما محفل ، أبت نفسه إلاّ أن يعيد مناشدة الحكومة السودانية لقبول تواجد البعثة الأممية دون ان يحدد - بوضوح وتفصيل - أسباب ومبررات البقاء وهذا الموقف في الواقع يعكس أحد أمرين : إما أن الأمين العام فقط يلبي رغبات قوي دولية يهمها وجود بعثة اليوناميس لمزيد من التضييق على السيادة السودانية، أو أن الأمين العام (غير واثق) من التقارير التى تريده بشأن استقرار المنطقة ، وان عدم الاستقرار فقط منحصر فى ما وراء حدود 1956 جنوباً . وقد رأينا تأكيداً لذلك ان الأممالمتحدة دفعت بما يجاوز ال7 ألف جندي جنوباً فى ظل الصراع القبلي و التمرد العسكري المتصاعد فى جنوب السودان ما يعكس مخاوف دولية من خروج الأمور عن السيطرة داخل دولة الجنوب الوليدة. غير ان هذا الوضع الأمني المنذر بالخطر جنوباً لا مثيل له على الجانب الشمالي وإذا ما جري الحديث عن جنوب كردفان فان ما جري فيها ويجري الآن واضح لكل صاحب نظر ، فقد تمردت مجموعة مسلحة وخالفت القانون و بدون أسباب وبوسع الجيش السوداني وبموجب الدستور والقانون ملاحقة المتمردين ومعاقبتهم كأي جناة خرقوا القانون وهو ما لا يستلزم بحال من الأحوال أى وجود قوة عسكرية دولية ، ولعل إذا كان اى عمل مخالف للقانون يرتكبه جناة فى اي دولة يستوجب إبتعاث قوات أممية ، فان الأم المتحدة لن تستطيع الوفاء بذلك مئات الدول التى تشهد عواصف من المواجهات المسلحة أقربها الجارة ليبيا . ان مبررات وجود اليوناميس فى السودان قد انتفت والحكومة السودانية رفضت تماماً القبول بوجودها ومن المؤكد الآن ان البعثة الأممية فى صالة المغادرة الى الوجهة التى على إدارتها فى نيويورك توجيهها إليها !