لم تكن أبداً مفاجأة غير متوقعة ان تسعي المنظمة الدولية بشتى السبل لإبقاء قواتها العاملة فى مهمة حفظ السلام لأطول فترة ممكنة ، ذلك ان قوي دولية أخري فى الواقع و ليست الأممالمتحدة كجهة اعتبارية هى التى تريد ذلك. بل لا نبالغ ان قلنا ان واشنطن هى صاحب النفوذ الأعلى بهذا الصدد لمحاولة انتقاص السيادة الوطنية السودانية لأدني قدر ممكن. لكل ذلك قلنا أنها لم تكن مفاجأة ان تحدث ما يمكن أن نسميها (صفة جديدة) و(صلاحيات جديدة) لقواتها العاملة فى السودان فالأممالمتحدة افتقرت تماماً لأي حيلة لإبقاء قوات اليوناميس المكلفة بمراقبة اتفاقية السلام الشاملة بين الشمال والجنوب ، فقد تقدمت الحكومة السودانية بطلب سحبها فى وقت مبكر قبل انقضاء مدتها بشهرين، وكان من المستحيل تماماً مهما برعت الأممالمتحدة فى البحث عن ذرائع، إبقاء هذه القوات رغم إرادة السودان فى ظل انتفاء دواعي بقائها ، فماذا تفعل إذن؟ يبدو ان الفكرة قد ومضت فى فى ذهن المندوبة الأمريكية فى الأممالمتحدة السيدة رايس احدي أكثر المسئولين الأمريكيين حنقاً على السودان وسعياً للتضييق عليه بشتى الوسائل ، بصرف النظر عن الدوافع والمبررات. رايس أعملت ذهنها ومن ثم اهتبلت الفرصة فيما يخص قوات حفظ السلام فى اقليم دارفور (اليوناميد) وهى قوات مشتركة مكونة كما هو معروف من قوات أممية وأخري افريقية وتعمل تحت المظلتين الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي ، وجاءت بموجب الفصل السادس مع حقها فى الدفاع عن نفسها كأمر طبيعي . اليوناميد جاءت تالية لليوناميس ، كما أنها تختلف كثيراً عن سابقتها اليوناميس فى المواقف السالبة والضعف ومحاولة دعم طرف ضد آخر، بل ان اليوناميد كان سجلها حافلاً بشكل غير مسبوق بالعديد من الخروقات التى تتمثل فى التواطؤ مع الحركات الدارفورية المتمردة تسليحاً وتشويناً وتسهيل المرور، وتملُك الحكومة السودانية فى هذا الصدد ملفاً ضخماً يحوي خروقات اليوناميد ، وفى الوقت نفسه عجزها البائن عن القيام بواجباتها وفق تفويضها الممنوح لها. و ربما لهذا السبب أدركت رايس ان الطريقة التى تخلّصَ بها السودان من قوات اليوناميس هى نفسها التى سوف ينتهجها فى التخلص من اليوناميد ليخرج منه حوالي 26 ألف جندي دولي جثموا على صدر سيادته الوطنية لدواعي أمنية فرضتها التزاماته الدولية حيال اتفاقيات السلام ؛ فكان ما كان من تمديد (مفاجئ) لبقاء اليوناميد لعام آخر مع إضافة الفصل السابع هذه المرة وتوسيع رقعة الانتشار لتشمل جنوب كردفان. الامر لا يحتاج الى ذكاء خارق لإدراك ان هذه الأجندة خاصة بقوى دولية بعينها وليست تقديرات أممية مجردة وموضوعية. الآن انتقلت المعركة للساحة الأممية فى نيويورك فى ظل موقف سوداني قوي فحواه ان التمديد لا مبرر له وفيه تجاوز متعمَّد لرغبة السودان وإرادته، فهل تنجح الخرطوم فى منع اليوناميد من داخل أروقة الخارجية السودانية التى نجحت فى حشد كل أسانيدها واستعدت لخوض المعركة ؟