طالعت عدداً كبيراً من المراجع والكتب والدوريات ومن الكتب التي تناولت تاريخ هذه الأمة العظيمة والحروب التي خاضتها في أوربا وما يؤسس عليه بأن النوبة كانوا من ضمن سحرة فرعون وهم الذين شقوا عصا الطاعة على فرعون وآمنوا برب موسى وهارون، ومن أعظم العلائق التي تربط هذا الشعب بذلك السفر التاريخي وما تبقى من أوشاج تلك الحضارة هو يوم الزينة المعروف عند شعب النوبة حتى يومنا هذا بيوم «السبر» الذي تخرج فيه قبائل النوبة قضها وقضيضها تتباهى بفنونها وثمراتها، ومن أهم الكتب التي تناولت حضارة النوبة ما كتبه «هيرودت» وتناولها صاحب كتاب «النوبة رواق إفريقيا» ج ميتز والبابا ارياني في كتابه التاريخ الطبيعي وكتاب د. عمر مصطفى شريكان النوبة في السودان.. نضال شعب في سبيل العدالة والمشاركة في السلطة، وكتاب الأرض والعديد من البحوث والمقالات الصحفية كما صدر كتاب عن الأرض وهو عبارة عن فذلكة تاريخية لكفاح النوبة في أوربا ومشاركتهم ونضالهم في حروبها المفصلية حتى استقر بهم المقام في الرقعة الجغرافية المعروفة بجبال النوبة وجزء منهم متناثر في ولايات دارفور وفي شمال كردفان وحتى البحر الأبيض المتوسط.. إن شعب النوبة يتمتع بقيم ومدولات ومظاهر السلوك في الحياة الاجتماعية ومتطلبات التنمية فيما يتعلق بنوعية العمل السياسي ومنهجيته من ناحية وسائل الإنتاج وجمع الثروة.. إلا أن المفارقة تأتي في مجال خلق القواعد المؤسسية للسياسة والإدارة والاقتصاد، بُنيت هذه المؤسسية على قواعد وأنماط الثورات الشيوعية والاشتراكية أي أنها تتنزل من أعلى إلى أسفل إما تعليمات أو نظريات لم تحظَ بالتطبيق فتسير القاعدة على خطى آمال وتطلعات القادة وأظهر هذا نوعين من التنظيمات: «1» تنظيم عسكري يهتم بتجنيد أتباعه على نمط السلوك القبلي المفضي للعنصرية، حيث يروي دماء تابعيه بقضايا لا يحسّ بها الفرد المنتمي في واقع حياته العادية وهي قضايا الرق والاختطاف والتشغيل القصري والاغتصاب والاضطهاد إلا بعد أن ينتمي لذلك التنظيم «غسيل الدماغ» وهي قضايا كلها تم إخراجها اختلاقاً من أجل الفتنة والمفارقة وتحطيم الحياة الاجتماعية. «2» ثم يتم تدريب الفرد على وسائل القتال وهذا تنظيم مظهري الطابع يحدِّد المبادئ والإجراءات الرسمية والعسكرية كما ينبغي أن تكون.. ويتم الدس لهؤلاء في مفهوم مفارقة الجماعة وشق عصا الطاعة على نظام الدولة القائم وعلى هذا الاتجاه تم استدراج شباب هذا الشعب العظيم لحرب لم يتم فيها استطلاع رأيه وحتى قادته لم يكن لهم الخيرة في أمرهم .. في الحرب الأولى تمت مشاركتهم في حرب مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وهي الحركة الأم.. ولقد خسر هذا الشعب الأبي مرتين وهما: «1» لولا مقاتلين أبناء النوبة الأشاوس ما كان للحركة الشعبية أن تحقِّق هذه النتائج في اتفاقية السلام، حيث كانت الحركة مهزومة تماماً في حسابات الحرب والانتصار.. ولكن ما هو المردود الذي حققه أبناء النوبة من حرب دامت عشرين سنة والجنوب يكون حكومته ولم يمنح أبناء النوبة مقعداً واحداً في حكومة الجنوب ناهيك عن اعتقال رجل مثل اللواء تلفون كوكو أبو جلحة الذي تم اعتقاله وهو يطالب الحركة بإنصاف أبناء النوبة.. ونحن نستمع لخطاب سلفا كير في عيد ميلاد دولته بأنه لا يتخلى عن نضال الحركات في دارفور والنيل الأرزق وجنوب كردفان كما نذكِّر سلفا كير بأنه وفي نفس المنبر وقبل خمس سنوات حينما طالب أبناء جبال النوبة بنصيبهم من «الكعكة» قالها لأبناء النوبة «ساعدتونا في النفير ولما انتهى النفير شربنا مريسة وكل واحد ذهب في حاله».. هذا هو جزاء أبناء النوبة عشرين سنة حرب فقدوا فيها ما يقارب ال 60 ألف قتيل ومفقود، وحتى بعد الحرب كانت هنالك محاكمات عسكرية لأبناء النوبة تم فيها إعدام أعداد كبيرة والكتيبة التي كانت في أبيي أين هي الآن و 15 ألف مقاتل من أبناء النوبة حجزتهم الحركة الشعبية في الجنوب أين هم الآن؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نقول لأبناء النوبة كيف وجدتم أهلكم وعشيرتكم وأوطانكم بعد عشرين سنة وماذا كسبتم من حرب أنتم قادتها ووقودها.. النتيجة لا شيء!! إذاً الحرب الأولى كانت لفصل جنوب السودان؟! ودفعتم مرة أخرى لحرب جديدة لم يستطلع فيها رأي السواد الأعظم من أبناء الجبال وفيهم العلماء والقادة السياسون والعسكريون والحادبون على مصلحة أهلهم والذين بدأوا في تسكين أهلهم وتحسين أوضاعهم المعيشية وتعليم أبنائهم.. يأتي عبد العزيز في عشية وضحاها ويفتح على أهلهم النار من أجل هدف تحقيق الديمقراطية والعلمانية وهنا التاريخ يعيد نفسه وهذا نفس ما فعله الحزب الشيوعي في انقلاب هاشم العطا حيث كانت كل شلة هاشم العطا من الشيوعيين كانت حاكمة أي كانوا وزراء.. إلا أن الشيطان دفعهم نحو الهاوية فكانوا من حزب الشيطان.. هذا هو نفس السيناريو.. إن هذا التآمر حينما يتكرّر وتتعدّد مظاهره وتنكشف للجمهور اتجاهاته ونواياه ووسائله وأهدافه لا بد من وجود ترياق قوي وفاعل ونافذ لحماية شعبنا وتوطيد أركان أمنه.. فإن مطلب تحقيق الديمقراطية لا يتم باستخدام السلاح إنما يتم بالعلم والمعرفة، وإن نسبة التعليم في جنوب كردفان لا تتجاوز 15% إلا بقليل، والعلمانية لا تتماشى مع فهم التدين، أما بالنسبة لمشاركة الحركة الشعبية لجبال النوبة وتسجيلها كحزب في السودان الشمالي فإني أقول بأنه حق تكلفه القوانين والنظم وأولها أن تضع الحركة السلاح وتنبذ العنصرية وتعمل وفق القانون والدستور وبالتالي لا تحرم من ممارستها السياسية.. وبذلك تحقق الحركة كسر الحاجز والعائق التنموي وتساهم في تطوير الحركة السياسية والبناء الوطني وتجنب شعبها مهالك الردى ومواطن التخلف وتفشي الأمراض والوبائيات وتكريس الجهل وغياب التنمية.. فإن المبادرة الآن بتسليم الأسلحة ومعالجة قضايا الدمج والتوظيف تساعد وتعجل بطي صفحة الحرب والدولة قادرة على إصدار العفو عن أولئك الذين ما زالوا يطلقون الشائعات ويروِّجون لحرب الأدغال ويمنون أنفسهم بنصر خاطف.. فأمانيهم كسراب بقيعة يحسبها الظمآن ماء.. إن صوت العقل يحتم احترام الأمهات والآباء والشيوخ والعجزة.. وأن ننأى بهم بعيداً عن موارد التهلكة.. فإن ثورة الإنقاذ مالت بميزان القوى لصالح القيم والقوى الحديثة وهنالك تناقض يفضي بالحركة الشعبية إلى زوال فهو الثنائية بين القبلية التي ما زالت تعاني من الأمية والنظرية الشيوعية هي البالية المتهالكة، فكلاهما يخطئان في حق الخط الثوري الصحيح.. فقوى القبيلة يغريها بأن يكون لها ناب وظفر حتى إذا ما اشتد عودها هددت القوى الحديثة بالفتك؛ لأن القبيلة ترفض توسعها خارج جماهيرها فتفقد سلطانها وبذلك تصبح تابعاً ذليلاً.. وهذا ما ترفضه القبائل الآن في جبال النوبة وهو الابتعاد عن منهجي التطرُّف وعدم التفريط في مكتسبات السلام والاستقرار. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 14/7/2011م