فى اجتماعه الطارئ الذى انعقد الاثنين الماضي قرر مجلس الوزراء السوداني إجراء تعديل على قانون المشورة الشعبية 2009 الخاص بولايتيّ النيل الازرق و جنوب كردفان . التعديل قضي بتأجيل المشورة لمدة ست أشهر بعدما كان مقرراً لها – وفقاً لقانون المشورة الشعبية نفسه شهر يوليو الحالي . مجلس الوزراء لم يوضح بالتفصيل او الإيجاز أسباب التعديل ، وبالمقابل فان مالك عقار والي النيل الازرق أصدر بياناً هاجم فيه التعديل واعتبره خرقاً للإتفاق الشامل. الحكومة السودانية من جانبها لم تعلق رسمياً على بيان عقار ، وان توقعت (سودان سفاري) ان يصدر توضيح شامل للتعديل ليس بهدف الرد على بيان عقار ، وإنما كأمر طبيعي بشأن أي مشروع يتم إجراؤه على قانون ، كما تشير متابعات (سودان سفاري) ان اى مشروع تعديل لقانون بالضرورة لا بد من ان يعرض على البرلمان لمناقشته وإجازته. غير ان ما يهمنا الآن هو ما مدي مشروعية تعديل قانون المشورة الشعبية وهل هناك من دواعٍ اقتضت التعديل فعلاً؟ الواقع من الأفضل ان نبدأ بهذه النقطة الأخيرة وهى دواعي التعديل إذ من المسلم به ان قانون المشورة الشعبية سنة 2009 فسر المشورة الشعبية فى المادة (3) من القانون بأنها (حقاً ديمقراطياً وآلية لتأكيد وجهة نظر شعبي ولايتي النيل الازرق و جنوب كردفان- كل على حدي- بشأن اتفاقية السلام الشامل بخصوص أى من الولايتين) ، و ما من شك ان المشورة كحق ديمقراطي بهذا القدر من الأهمية يقتضي مناخاً مواتياً لممارسته ، إذ يستلزم أخذ الرأي ومناقشة ما إذا كانت اتفاقية السلام قد لبت تطلعات أهل الولايتين أم لأ . إذا نظرنا لولاية جنوب كردفان سنجد انها تعيش مناخاً غير مواتي لممارسة ديمقراطية كهذه بعدما تمردت مجموعة الحلو وأصبحت الولاية منطقة عمليات ؛ فالحركة الشعبية (خرجت على القانون) بتمردها وحمل السلاح ضد الدولة بدون اى أسباب موضوعية ، و هذا يستلزم ان يتم حسم هذا العمل المسلح أولاً لخلق مناخ مواتي تجري فيه المشورة الشعبية ، وهذا ليس من المنطق فى شيء ان يزعم عقار ان التعديل فيه خرق لاتفاقية السلام ، فقد خرقت الحركة ما هو أكبر من مجرد التعديل وهو اتفاق السلام نفسه بحملها للسلاح ضد الدولة. أما فيما يخص النيل الازرق فان ممارسة هذا الحق الديمقراطي ايضاً يستلزم مناخاً هادئاً متسقاً مع المشورة الشعبية نفسها فى حين ان الواقع هناك يشير الى وجود قوات (مليشيات مسلحة) تتبع للفريق عقار نفسه بما يخالف – نصاً وروحاً – اتفاقية السلام وعلى وجه الخصوص الترتيبات الأمنية التى تحظر وجود قوات خارج اطار الجيش الحكومي . هذا الوضع الشاذ فى النيل الازرق فى ظل التهديدات (غير المبررة ، بل وغير المسئولة ) التي يطلقها قادة الحركة الشعبية هناك وبعضهم قال إنهم قادرون على التغلب على الجيش الحكومي فى استعراض عسكري مستفز جري مؤخراً للجيش الشعبي فى الكرمك يستحيل معه إجراء مشورة شعبية مضمونة النتائج. أما مشروعية التعديل فهي بالإضافة الى الأسباب التى أوردناها فهي ترتكز على مرجعية قانون المشورة الشعبية نفسه والذى نص فى المادة (4) على ان تكون مرجعية المشورة الشعبية هى اتفاقية السلام والدستور الانتقالي 2005 ودستور ولاية النيل الازرق وجنوب كردفان، ثم مبادئ القانون الدولي والمواثيق الإقليمية والدولية وهى كلها مرجعيات - كما هو واضح - تقتضي (وجود مناخ) ديمقراطي مواتي لهذه الممارسة الديمقراطية. ان مكمن الخطأ فى المفهوم المترسخ لدي السيد عقار انه يعتقد ان المشورة الشعبية بمثابة (اتفاق تعاقدي) بينهم كحركة والمؤتمر الوطني ومن ثم لا بد من (مشاورتهم) كحركة فى كل شأن يختص بهذه المشورة فى حين ان المشورة حق ديمقراطي خاص بأهل الولاية كافة يجيز الدستور وتجيز اتفاقية السلام تأجيله او إجراؤه بحسب الظروف ؛ وكما رأينا فقد سبق وان أجلت الانتخابات العامة من العام 2009الى العام 2010 ، بل ان عقار – بإعتراضه على هذا التأجيل – يناقض نفسه تناقضاً صريحاً، ذلك ان القوات التى يحوز عليها الآن فى ولايته – وهى خارج سياق القوات الحكومية – تأجل بند الترتيبات الأمنية بشأنها ولم تتم عملية تسريحها وإدماجها ، فلماذا (سكت) على تلك و (صرخ) فى هذه ؟