المشورة الشعبية (pepular consultation) كما قالت هيلدا جونسون في كتابها الشهير (شن السلام علي السودان) هي إصطلاح سياسي غربي, غير متداول ومعروف في الشرق, ولكنه كان حلاً بدرجة ما لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بعد ما عجزت الحركة الشعبية في (تقديم شئ) لمقاتلي المنطقتين الذين قاتلوا معها. لقد صدر قانون المشورة الشعبية عن البرلمان السوداني في العام 2009 وعرفت المادة (3) من القانون المشورة بأنها ممارسة ديمقراطية والية مكفولة للمنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق – كل علي حدا – للتعبير عما إذا كانت اتفاقية السلام قد لبت طموحاتهم أم لا . وتتحدث نصوص القانون وعلي نحو محكم عن أن المشورة تنحصر في أمرين: إما أن الاتفاقية الشاملة قد لبت طموحات أهل المنطقتين, وهنا تنقضي المشورة ويغلق الملف, وإما أن هناك نواقص, يقوم المجلس التشريعي – عبر المفوضية الخاصة بذلك برفعها – علي نحو محدد – من ثم يجري التفاوض حولها عبر آليات محددة تتدرج حتي تصل الي آلية التحكيم كأقصى درجة يتم بها حسم النزاع. والملاحظ هنا أن قانون المشورة الشعبية في المادة (4) منه جعل المرجعية الخاصة بإجراءات المشورة مستندة الى اتفاقية السلام الشامل و الدستور الانتقالي 2005 ودستوريّ كل من ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان ثم المواثيق الدولية المتعارف عليها في هذا الصدد. الخطأ الشائع بشأن المشورة أن قادة الحركة في المنطقتين النيل الأزرق وجنوب كردفان يعتقدون أنها تتيح لهم اقتراح مقترحات (جديدة) خارج نطاق اتفاقية السلام الشامل مثل الحكم الذاتي الذي ظل قادة الحركة يتحدثون عنه في النيل الأزرق. مكمن الخطأ هنا ان المشورة هى (مراجعة) فقط لاتفاقية السلام – فيما يخص المنطقتين وليست عملية تفاوض جديدة حول مقترحات جديدة بدون سقف بحيث تقترب من سقف تقرير المصير أو توازيه. الخطأ الثاني, أن قادة الحركة في الشمال – رغم الظروف السائدة في جنوب كردفان وتلك التي في النيل الأزرق والتي لا تساعد علي ممارسة ديمقراطية دقيقة وجديدة كلية عن الممارسة الديمقراطية المتعارف عليها في السودان عارضت تأجيل إجراء المشورة الذي صدر عبر مشروع تعديل للقانون أجازه مجلس الوزراء السوداني الأسبوع الماضي معتبرة التعديل والتأجيل بمثابة خرق للقانون بينما الصحيح أن الظروف الماثلة – علي الأقل – لا تتيح الحصول علي نتائج مقبولة لممارسة ديمقراطية كهذي في ظل وجود جيش (غير قانوني) في النيل الأزرق, وعمل مسلح نشط ضد الدولة من جانب الحركة الشعبية في جنوب كردفان – التعديل هنا لمصلحة المشورة نفسها وليس لأي غرض آخر وهذا هو الصواب.