للكاتب العالمي (يوجين اونيسكو) مسرحية مشهورة بعنوان: «الخراتيت» تم تحويلها إلى فيلم سينمائي في عقد الثمانينيات من القرن العشرين.. مضمونها أن خرتيتا (وحيد القرن) يهجم على مدينة، ويطارد سكانها بوحشية، ولكن السكان بدلاً من مقاومته راحوا يلاطفونه، حتى تحولوا هم إلى (خراتيت)!.. ويبقى شخص واحد في المدينة يتحصن في بيته ويرفض وجود الخراتيت، لكن الخراتيت تواصل هجومها على البلدة من شارع إلى آخر ومن منزل إلى آخر.. وحين تصل إلى منزل هذا الشخص، يهرب إلى السطح ويتحصن ببندقيته قائلاً عبارته المشهورة في المسرحية: «لن أكون خرتيتاً مثلهم»! وهذا ما ينطبق حاليا على ما يسمونه «ربيع الثورات العربية»!.. هناك مصالح غربية تريد إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وتوزيع الغنائم على الشركاء.. أمريكا تبتلع منطقة الخليج وأوروبا تبتلع شمال إفريقيا!.. بينما بعضنا صدق بضاعة (ربيع الثورات العربية) التي يروج لها الغرب في المنطقة! في آخر مؤتمر صحفي لوزير الخارجية السوري (وليد المعلم) سأله أحد الصحفيين: بماذا تفسر الهجمات العسكرية الجوية من حلف (الناتو) الأطلسي على ليبيا، بينما لم يفعلوا ذلك حتى الآن في سوريا؟ فأجاب قائلا: «حمى الله سوريا لأنها بلد بلا نفط!.. ماذا سيأخذون من عندنا لكي يهاجمونا عسكريا»؟! ثم أورد الوزير (وليد المعلم) معلومة في ذلك المؤتمر الصحفي قال فيها: إن الكونجرس الأمريكي يضغط على الحكومة الأمريكية بأن تطالب (الحكومة العراقية) الحالية بتسديد ثمن النفقات العسكرية الأمريكية التي خسرتها أثناء احتلال العراق! وهي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية! وإذا صحت هذه المعلومة، فإن الحلف الأطلسي والدول الأوروبية، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا، سوف تطالب ليبيا بعد رحيل القذافي ومجيء الحكومة الجديدة، بأن تسدد هي الأخرى ثمن النفقات العسكرية والطلعات الجوية التي تقوم بها الآن ضد حكومة القذافي! وطبعاً الصفقة (محرزة) لأن ليبيا بلد نفطي كبير، وبثرواتها يمكنها تسديد الفاتورة الأوروبية! فقط اسألوا أنفسكم: ما الذي يجعل أمريكا وأوروبا اللتين تعانيان أزمة اقتصادية ومالية وعقارية وصناعية خانقة، وكل يوم نكتشف في أوروبا دولة تعلن إفلاسها بدءا بإيرلندا واليونان وصولاً إلى إسبانيا وفي الطريق البرتغال وإيطاليا.. فضلا عن مشاكل الاقتصاد الأمريكي.. ما الذي يجعلهم يشاركون وينفقون المال والسلاح في مشروع (الثورات العربية) إذا لم يكن هناك ثمن كبير سوف ينتزعونه من الدول العربية التي (سقطت) أو تلك التي عليها (امتحان دور ثاني)؟! حتى مصر التي (خرجت) بسرعة من الثورة، حين وجدوها تماطل في الاستجابة الأمريكية، صنعوا فيها ثورة ثانية.. وثالثة إلى ما لا نهاية! ما تشاهدونه حاليا ليس (الربيع العربي) بل عصر (الخراتيت)! المصدر: اخبارالخليج 21/7/2011