حالة سيولة سياسية وأمنية بالغة الحدة يعيشها حالياً جنوب السودان، الدولة الأحدث عمراً بين دول العالم (193) وربما كان من الطبيعي - والدولة الجنوبية فى طور التشكل - ان تواجه تحديات وتعاني أزمات ، غير ان الامر لا يبدو بهذه الدرجة من البساطة ، ذلك ان من المتفق عليه ومما لا يتجادل فيه إثنان ان الحركة الشعبية هى – وحدها دون غيرها من القوى الجنوبية – التى تولت إستراتيجية الانفصال، وهى بدورها ما كانت لتستطيع ان تفعل ذلك لولا أنها وجدت سنداً قوياً جداً من القوى الدولية الكبرى المعروفة ، الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا ، وكلنا يتذكر ولا ينسي مطلقاً كيف تهللت أسارير السيدة سوزان رايس وانتابتها موجة سعادة عارمة وهى تخاطب حفل تدشين دولة الجنوبالجديدة ظهيرة التاسع من يوليو تموز 2011وتكررت سعادة رايس فى (العناق السياسي الحار) مع الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب فى أروقة الأممالمتحدة – تحت الأضواء الأممية الكاشفة – بعد ان نال الجنوب شرف عضوية المنظمة الدولية ، وقد أورد الكاتب الصحفي المعروف عبد المحمود الكرنكي بصحيفة ألوان وعلى مدار ثلاثة حلقات الدور الأمريكي و البريطاني المؤثر فى فصل جنوب السودان تحقيقاً لمصالح أمريكية وبريطانية بعضها قصير المدي والآخر متوسط المدي وهنالك ايضاً طويلة المدي. لقد تضافرت جهود هذه القوى الدولية لفصل جنوب السودان باستخدام شتي الوسائل والطرق ما كان مشروعاً وما غير مشروع ، ومن ثم فهي تتحمل وزر هذا الوضع البالغ التعقيد القائم فى الجنوب ، حيث نشب صراع بين قادة الصف الأول راح ضحيته (سياسياً) أمين عام الحركة وزير السلام بحكومة الجنوب باقان أموم. والرجل على أية حال يعد الآن فى(كمين سياسي) لخصومه وفقاً لذهنيته القتالية البعيدة تماماً عن قواعد اللعبة السياسية ، ولهذا فان من المتوقع ان يقع (انفجار هائل) فى هذا الصدد يصم الآذان . من الجانب الآخر هنالك حركة تحرير جنوب السودان التى ظهرت حديثاً جداً بقيادة جنرال يدعي جيمس تهدف للإطاحة بحكومة الحركة الشعبية و(تحرر) الجنوب منها. وقد سبقتها حركة أطور وقديت والتي تعتزم – وفقاً لأنباء مؤكدة – شن هجماتها بالتزامن مع حالة السيولة والبلبلة هذه باعتبارها السانحة الأفضل والفرصة التى لا تتكرر ، وهنالك ايضاً حركة التغيير الديمقراطي بقيادة الدكتور لام أكول والتي بلغت خصومة الحركة الشعبية معها حد منعها من حضور الاحتفال بقيام الدولة وحظر زعيمها من الدخول الى الجنوب ! كل ذلك وأوضاع الجنوب الاقتصادية مزرية و باع 9% من أرضه بمقابل مضحك لشركات أمريكية ومنح واشنطن - بالمجان – قاعدة عسكرية مركزية لأفريقيا وغامرت حكومة الجنوب بطباعة عملة جديدة غير مسنودة اقتصادياً . هذه الحالة -بصفة عامة- أكبر من طاقة احتمال الجنوب ومن المؤكد ان الأمور ماضية حتماً باتجاه انفجار هائل و نزوح وأمراض وأوبئة ما كان أغني الجميع عنها لولا مصالح القوى الكبرى وسذاجة قادة الحركة الشعبية!