تحليل سياسي ضمن فعاليات الاحتفال بإلاعلان الرسمي لدولة جنوب السودان – اليوم السبت التاسع من يوليو 2011 وقع الفريق أول سلفا كير ميارديت رئيس حكومة الجنوب على دستور دولة جنوب السودان 2011. وبالطبع كان من المحتم ان يجري إقرار دستور جديد لجنوب السودان بالتزامن مع قيام الدولة حيث لا يتصور -وفقاً للقانون الدولي- الإعلان عن قيام دولة بلا دستور ولا قانون و نظام أساسي يحكمها! الأزمة الآن ثارت وعلى الفور بشأن الدستور ؛ فقد فشلت الحركة الشعبية أو ربما كما يقول بعض القادة السياسيين الجنوبيين تعمدت الحركة الانفراد بإقرار الدستور ولم تسعَ بجدية لإشراك القوى الجنوبية فى وضعه . حركة التغيير الديمقراطي سارعت بالتهديد (باللجوء لبدائل أخري) على حد تعبيرها إزاء هذا الموقف معتبرة ان السلطة القائمة بهذا الصدد غير شرعية. وتأخذ غالب – ان لم يكن كل – القوى الجنوبية على الدستور الجديد مآخذ عدة أبرزها كما يعتقد أنه (توسع بإفراط) على حد تعبيرهم فى صلاحيات رئيس حكومة الجنوب بحيث امتدت لتشمل تعيين وإقالة حكام الولايات ، بينما كانوا يرون ان حكام الولايات يجب انتخابهم. وتبدو الأزمة أكثر تعقيداً - رغم أجواء الفرح الصاخبة بالانفصال- لكون ان الحركة الشعبية حتى هذه اللحظة ليست على وفاق مع مختلف القوى والمكونات السياسية الجنوبية ولا ناقشت معها مستقبل العمل السياسي ولم يتم وضع قواعد معينة للسير على هداها فى هذا الوقت الذي تتشكل فيه الدولة الجنوبية ؛ بل يمكن القول إجمالاً ان الحركة الشعبية انفردت بكل شيء ، وتريد ألاّ يشاركها احد فى حصادها الذى تعتبره انجازها التاريخي الكبير . الأزمة على هذه الشاكلة ذات بعدين : بعد سياسي وهو بدأ يتخذ شكلاً حاداً رويداً رويداً، إذ ان تهديد التغيير الديمقراطي (ببدائل أخري) يتضمن معاني لمواجهات ، وخلافات من المؤكد أنها قد تعرقل نضوج ميلاد الدولة أو تنسف وجودها نفسه على المديين القريب والبعيد. البعد الثاني بعد أمني - وهو الأكثر خطورة - إذ انه و حال شعور القوى الجنوبية ان الحركة الشعبية تعتزم الانفراد بالسلطة والتعامل بشمولية غير عابئة بها، فان هذا سوف يدفعها (للتنسيق) على الأقل مع المجموعات المتمردة التي تحمل السلاح حالياً (مجموعة أطور و قديت) ، بل قد يتأسس تمرد جديد يزاوج بين السياسة والسلاح وتبدأ المواجهة بين الطرفين لتكون الغلبة للأقوى . الدستور الجنوبي هو دون شك بيت الداء ،حتى وإن لم تعره الحركة الشعبية اهتماماً و سوف يتسبب عاجلاً أم آجلاً فى انهيار العملية السياسية فى الجنوب .