اتفق المشاركون في ورشة عمل تقييم تطبيق اتفاقية السلام الشامل على أن النزاعات القبلية أثرت سلبا وبشكل مباشر على عمليتي السلام والتنمية، مشيرين إلى أن عوامل كثيرة تدخلت ونزعت عنها الصبغة التقليدية التي كانت تقوم على الصراع حول الموارد الطبيعية. مقدم ورقة دور النزاعات القبلية في في تعطيل عملية السلام الدكتور الحاج حمد محمد خير قال : الظاهرة تاريخية وستبقى طالما بقيت جدوى القبيلة الاجتماعية والاقتصادية التي ستدافع عنها القبائل بمختلف الاساليب بما فيها المعارك الدموية التي تظهر وتختفي مع ظاهرة الجفاف والتصحر والزيادة الطبيعية أو النقصان في عدد السكان، منبهة إلى تسارع وتائر الظاهرة منذ سبعينات القرن الماضي في كافة أنحاء العالم، وتعيد الورقة التسارع إلى ظاهرة التغيير المناخي والاحتباس الحراري والنمو السكاني، وتمضي قدما وتورد الاسباب العامة التي حددتها في تطور احتياجات العالم من الطاقة الحيوية مثل البترول مما تسبب في اهتزاز علاقات الارض بين الحكومات والمواطنين وبينهم وشركات البترول، وفي السودان مثلا بقطع طرق الهجرات الطبيعية للرعاة ( المسارات) ونزع الاراضي دون توفير بدائل موضوعية لانتشار السلاح وسهولة الوصول إليه. ثم تحدثت عن الاسباب السياسية واصفة إياها ب(مربط الفرس) ومكمن التأثير المنداح من استغلال حاجيات السكان البسطاء وإدراجهم في صراعات المركز وهذا الاجراء الاقحامي حسب تعبير معد الورقة يمثل إما تسارع في زيادة وتأثير الصراعات أو توفير إمكانيات لمجموعة يجعلها تطمح في التوسع في أراضي الغير، وهذه الظاهرة كما تقول الورقة نبعت من بنية نظام الحكم الذي خلفه الاستعمار فيما عرف بالسياسة تجاه القبائل التي بدأت منذ 1900م واستمرت في التطور حتى 1946م، وبدأت بقانون الاراضي الذي اعتبر مبدأ الارضي أراضي حكومية واستمرت حتى 1920م إلا إذا رأت الحكومة غير ذلك وهي في مجملها سياسات ترمي لادارة البلاد بأقل تكلفة. فضلا عن أن الاستعمار كان يستخدم الارض كأداة لهدم التحالفات القبلية وفرض التغيير من فوق على أساليب الحكم العشائري، فالتكوينات الادارية وفق ما أرادت الحكومة الاستعمارية تعطي أراضي أوسع وعموديات أكثر للمجموعات المؤيدة وتضيق على تلك المعارضة للحكومة التي أيضا كانت تستخدم هذه السياسية في محاربتها للحركة المدنية بالادارة الاهلية، وهو الامر الذي ورثه الدولة الوطنية التي فشلت في إقامة علاقة متوازنة وعلى مسافة واحدة من كل الفئات فاستمرت العلاقة الكلية التي تدعو إما لالغاء الادارة الاهلية أو المحافظة عليها، و حتى الآن ليس هناك مشروع وطني يؤسس لمبدأ تكافؤ الفرص وسيادة حكم القانون مما راكم من عمق الازمة خاصة في مرحلة الثمانينات حيث صار تجييش القبائل لمواجهة الاضطرابات الامنية الذي لم يلاحظ المخططون للأمن الوطني أنها من أشكال النزاع الاقليمي الاستراتيجي في مرحلة حرية البلاد. وتحت عنوان «الصراعات الاستراتيجية في تأجيج الصراعات القبلية» تقول الورقة إن إحدى السمات الاساسية للاستعمار الجديد هي بلقنة العالم الثالث وجعله مجرد مزارع لانتاج السلع الاولية الرخيصة مع استمرار مناطق نفوذ الاستعمار الاستراتيجي خاصة في افريقيا وتأخذ من الصراع بين التوتسي والهوتو مثالا وتقول إنه في الحقيقة صراع بين الفرانكفونية والانجلوفونية في منطقة البحيرات، ونتج عنه زحف انجلوفوني لمناطق نفوذ فرنسا التي اضطرت إلى الرد بتعزيز دفاعاتها في الكنغو التي انتقل إليها الصراع ولازالت تعاني من الاضطرابات والفوضى في شرق البلاد، وتمتد هذه الصراعات لتشمل جنوب السودان في الجيب الذي عرف باللادو الذي احتلته فرنسا ثم انسحبت منه بعد وفاقها مع بريطانيا. و لمزيد من الربط بين الصراعات الاستراتيجية والحروب القبلية تشير الورقة أن عمليات الجماعات المسلحة تصاعدت في عشية توقيع سلام نيفاشا تقول إن هذه الجماعات صارت تطلق على نفسها مسميات سياسية بلا برامج أو قواعد، مستفيدة من المقاتلين القبليين الذين استغلوا في الحرب الاهلية من طرفي الحرب الرئيسيين. وتسأل الورقة في عنوان جانبي عن الكيفية التي واجهت بها اتفاقية السلام مسألة النزاعات القبلية، وتجيب قائلة إن الاتفاقية اقترحت حزمة من السياسات لو التزم بها لقللت من حدتها وعادت بالظاهرة إلى حجمها الطبيعي الذي تحتويه الآليات التقليدية لفض النزاعات ( الديات و الجودية ...) ومن بين هذه المعالجات التي أوردتها الورقة عدم السماح بالوجود لأي مجموعة مسلحة موالية لأي طرف والعمل خارج نطاق القوات الثلاثة التي حددتها الاتفاقية والمتمثلة في الجيش السوداني و القوات المشتركة وقوات الحركة الشعبية. ثم برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج وكان من المفترض أن يكون هذا البرنامج فاعلا باتباعه لمجلس الدفاع المشترك وبطبيعة الحال أن يحدث خفض في الموازنة العسكرية واسغلال ما كان يصرف على الامن والدفاع في التنمية واستيعاب المسرحين. لكن الورقة تعود وتقول للأسف ترك البرنامج لادارة مدنية وترك التمويل الاجنبي دون النظر إليه كآلية لفض النزاعات رغم أنه من احدى أهم آليات التحول من حالة الاضطراب الامني للاستقرار وإعادة التعمير والتنمية، لكن ظلت الاولوية هي جمع السلاح والتسريح ويكفي أن نشير إلى أن الصراع بين المورلي والدينكا وهما حسب معد الورقة (التعبير القبلي للصراع بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على المستوى السياسي) قد أكمل خمس جولات منذ توقيع اتفاقية السلام في العام 2005م وكان آخرها في 17- 11- 2009م وحصد أرواح (47) قتيلا وخارج الجنوب تشير الورقة إلى أن استمرار الدفاع الشعبي إهمال لانفاذ برتكول الترتيبات الامنية الامر الذي يمثل أيضا خصما على عمليات بناء الثقة بين الشمال والجنوب. ثم تمضي الورقة غربا وتتحدث عن صراع المسيرية والرزيقات الذين انخرطوا كلاعبين أساسيين في حرب الجنوب مع استمرار دور الاولى في دارفور الامر الذي جعلها لاتلتزم كثيرا بالاتفاقيات التي بلغت (4) والصلح هنا بآليات تقليدية يجب أن تسنده المؤسسات الرسمية خاصة مؤسسات إنفاذ القانون، وتنتقد الورقة عدم الاهتمام بمفوضية الارض التي كان يجب أن تضطلع بمنهج جديد في سياسة الاراضي وتقطع صلة الإرث الاستعماري في استخدام الارض كوسيلة لجلب التأييد السياسي القبلي. وفي الختام قدمت الورقة توصيتين الاولى تحث الشريكين على التركيز و توحيد الارادة السياسية لبناء السلام وتحقيق التحول الديمقراطي. و الثانية عبارة عن تحذير لحكومة الجنوب حال انفصال الاقليم من أطماع الدول المجاورة من غير شمال السودان في الدولة الوليدة. والورقة الثانية التي أعدها الاستاذ عبد الرحمن آدم صالح وعنونها «أداء المفوضيات المنصوص عليها في اتفاقية السلام الشامل» تطرقت المفوضيات التي أنشئت لتنفيذ اتفاقية السلام وتقول إن الحكومة بدأت بالمفوضيات المهمة مثل مفوضية المراجعة الدستورية والخدمة القضائية، غير أن السير في هذا الطريق لم يكن بالصورة السريعة التي كانت متوقعة واحتاج الشريكان إلى نصف عمر الفترة الانتقالية ليكتمل بناؤها الامر الذي أدى في مناسبات كثيرة إلى ظهور الخلافات بين الشريكين التي كادت تؤدي في كثير من الاحيان إلى حدوث ما لايحمد عقباه. وتشير الورقة الى التأخير الذي لازم في إنشاء حتى تلك التي وصفتها بالمهمة، فالمفوضية القومية للبترول التي كان من المقرر أن يكتمل بناؤها في خلال أسبوعين من إقرار الدستور تأخر لثمانية أشهر. الامر نفسه ينطبق على مفوضية مراجعة الدستور التي استهلكت عاما كاملا بدلا أسبوعين. وتفسر الورقة أسباب تأخر صدور التشريعات الخاصة بتعزيز السلام إلى اختلاف الجهات المناط بها إصدارها فضلا عن أن بعض التشريعات موضوعاتها حسب الورقة كثيرة التعقيد وتتطلب قدرا من التوافق مثل قانون التنمية العمرانية الذي كان يفترض أن يضع تعريفا مرضيا للأراضي القومية والولائية. وفي نهايتها تعدد الورقة المفوضيات التي لم يتم إنشائها وهي مفوضيات الاراضي، حقوق الانسان، استفتاء الجنوب وأبيي، وأراضي الجنوب. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 3/1/2010م