الأمر لا يخرج عن احتمالين، أما أن قادة الحركات الثلاثة المتمردة التي لم تنضم للدوحة (ميناوي خليل ،نور) لم يقرؤوا (بعين سياسية نابهة) فصول اتفاقية الدوحة السبعة وبنودها المطولة التي ما تركت شيئاً للمصادفات ،أو أن هنالك من (يشد) قادة هذه الحركات من الخلف من القوى التي يدينون لهم لها بفواتير مستحقة لتحول بينهم وبين التوقيع ووضع حد نهائي لأزمة تطاولت دون مبًرر . غير أن هذا الأمر لم يعد مهًماً ،ففي السياسة دائماً الغلبة لمن يتعامل معها بأنها من الممكن ، وأن كل فرصة أو سانحة تمضي لا تعود في المستقبل دعك من أن يأتي ما هو أفضل منها. لذلك إن الذين بقوا خارج إطار الدوحة هم بالمقابل سوف يصبحون (عالة سياسية) وعبء أمني علي دارفور من جهة ، و(مرتزقة) لولايات وأقاليم أخرى كما رأينا في مشاركة حركة خليل في حرب الحلو في جنوب كردفان من جهة أخرى . بمعنى أكثر وضوحاً ، فان فقدان قادة الحركات الثلاث لعنصر التقدير السياسي الصائب وموازنة المعطيات الماثلة والرغبة في الحل بمترتبات جديدة كلية جعلت هذه الحركات أداة في يد (من يريد) متى أراد ، وأينما أراد وكيفما أراد . وكما قلنا فان النموذج الماثل الآن نموذجان؛ أحدهما (إضطرار حركة خليل) للعمل ضمن كتائب القذافي أثناء المواجهات الدائرة هناك بين نظام القذافي والثوار ودخولها حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل للدرجة التي جعلت من الحركة نفسه (رهينة) لدى السلطات الليبية، محظور الحركة ، مقيَد وفاقد للإرادة . الثاني إضطرار الحركة أيضاً لخدمة حركة الحلو في جنوب كردفان (معركة التيس) الأخيرة لدرجة خسارتها لقائد ميداني أسرته القوات الحكومية ولا يزال في قبضتها حتى الآن . هذين النموذجين يكشفان بجلاء أن هذه الحركات المسلحة فقدت قضيتها وأصبحت ( عاملاً باليومية ) وقضايا آخرين وبلا مقابل . فإذا أعدنا النظر في أوضاع حركتي ميناوي ونور اللتان تنطلقان من جنوب السودان فان من المحتم أن يجري استخدامها إن لم يكن اليوم ففي الغد لمواجهة عمليات التمرد العسكري الجارية ضد الحركة الشعبية من قبل متمردين جنوبيين ، فالمحك هنا يدور حول فقدان هذه الحركات لقضيتها بعد إضاعتها للفرص ، واعتمادها على آخرين في الدعم والتشويش ، فلماذا لا يستخدمها الآخرون في (أعمال خاصة بهم ) ؟ طالما أنها جاهزة للعمل؟ أن هذا الوضع من شانه أن يقضي أو هو بالفعل قضى على الوجود السياسي لهذه الحركات في المشهد الدار فوري فهي لا تدري أنها ابتعدت و فى كل يوم تتباعد و تتباعد عن إنسان دارفور ، بل أن الدار فوريين ربما يشعرون الآن ولهم كل الحق أن هذه الحركات أصبحت عدوَهم وليس معبَرة عنهم لأنها تعمل في (خدمة آخرين بدون جدوى سياسية) وترفض التفاوض والعملية السلمية . أنه مصير مؤسف ومحزن ولكن هو المصير الطبيعي لكل من يحمل السلاح راجياً أن يحقق له السلاح وحده كل ما يريد !!