تحليل سياسي في الوقت الذي ظلت لغة السياسة الأميركية تجاه السودان عموما طوال فترة الرئيس الحالي اوباما أكثر ميلا الي التطبيع ومحاولة إصلاح الإعطاب التي مضت عليها عقود من السنوات فان هنالك إشارات غاية في السلبية كثيرا ما تدفع بها واشنطن تضطر معها الخرطوم لاتخاذ موقف لا يرضي واشنطن بل قد يجرح كبريائها السياسي ويمرغ انفها في التراب . ففي هذه الأيام يزور السودان مساعد وزيرة الخارجية لشئون حقوق الإنسان والديمقراطية (مايكل يوزنز ) ؛الخارجية السودانية لم تبد حماساً –بأي درجة – لزيارة المسئول الأمريكي وأشارت إليها باقتضاب (ومن قبيل أداء الواجب)، وقد كانت هذه نتيجة قد ترتبت علي تصرفات أمريكية سابقة – فقد تلاحظ ان المبعوث الأمريكي الخاص الي السودان برنستون ليمان فشل مؤخراً في ان يحظي بلقاء أي مسئول سوداني في الخرطوم ،حيث كان يطمع في لقاء كل من نائب الرئيس علي عثمان ومساعد الرئيس الدكتور نافع ومستشار الرئيس د.غازي صلاح الدين ووزير الخارجية علي كرتي ،ولكن أوصدت الأبواب أمام ليمان وحرص المسئولين السودانيين –حرصا شديدا – علي عدم إلتقاء ليمان . امتناع المسئولين السودانيين عن لقاء ليمان أوجد أثره السيئ والمؤلم ،بحسب مصادر لصيقة لليمان وقد شعر ليمان انه ربما قد يصبح في يوم من الأيام (غير مرغوباً فيه) أو قد يصل في قنوات اتصاله في الخرطوم الي طريق مسدود . غير ان الجانب الحكومي كان بهذا المسلك يرسل برقيات عاجلة شديدة السخونة الي واشنطن فحواها ان ليس من مصلحة العلاقات بين البلدين –و الآن دخلها طرف ثالث وهو الجنوب – ان تقلل واشنطن من سيادة الدولة ؛ ذلك ان تحاشي المسئولين الأمريكان التقاء الرئيس البشير ، بل وتعمدهم في أكثر من زيارة أو مناسبة عدم التقاء الرئيس مع التقاء مستشاريه ومساعديه بما يخل بالمسار الطبيعي للأمور ،ومن ثم فان من حق الحكومة السودانية ان تتخذ الموقف الذي تراه مناسباً لإسترداد كرامتها السياسية . وفيما يخص المبعوث ليمان ،فالرجل – رغم خلفيته اليهودية المعروفة – وجد عقولاً وآذاناًً مفتوحة في الخرطوم ،ولكنه سرعان ما عمل علي القفز فوق كل ذلك ليصبح وكأنه (مندوباً سامياً) مثل المندوب البريطاني السامي أيام الاستعمار البريطاني لمصر والسودان ،فالرجل بدأ يختار بنفسه وعلي طريقته الخاصة من يلتقيهم ،وماذا يبحث معهم كما انه لم يعد يجد بأسا في انتقاء المسئولين ،والتباحث مع هذا ،وترك ذاك وهذه أمور لا تحدث في دولة ذات سيادة تحترم نفسها . لقد كان من الواضح ان الحكومة السودانية قد ضاقت ذرعاً بالسيد ليمان وانتقائيته العرجاء ،بل وتماديه في سلوك لعله اعتقد ان المسئولين السودانيين لن يدركوه او يتصرفوا حياله، ولكن ثبت الآن انه كان مخطئاً فقد وضعت الخرطوم ليمان في (ليمان) دبلوماسي ليصبح (وراء القضبان) الي حين عودة واشنطن لرشدها السياسي في تعاملها مع الخرطوم .