بعد الهمس والجدل الكثيفين اللذان دارا الفترة الأخيرة حول مستقبل الجمهورية الثانية وقادة التغيير فيها وشكل الحكومة المقبلة ومدي ملامستها للتغيرات المنشودة من قبل الشعب الذي ظل وفياً للإنقاذ طوال العقدين الماضيين دون كلل أو ملل يصيبانه، لكنها مستجدات الأحوال ومتغيرات الواقع الجديد لاسيما بعد الانفصال رسمت بعدا آخر لم يكن في الحسبان بعد أن ذهب الجنوب بما يقارب ثلث مساحة البلد محطماً أسطورة أرض المليون ميل مربع!! وآخذاً معه أيضاً ما يقارب نصف ميزانية البلاد بأيلولة الذهب الأسود ((النفط)) وحقوله للجنوب إلا قليلاً. على كل فان التكهنات التي دارت طوال الأيام الماضية حول شكل الحكومة المقبلة ومشاركة القوي السياسية بها ومدي ملامسة سياساتها هما ما سيكتبان لها القبول وسط الشارع العام الذي ثار جيرانه في وجه حكوماتهم لشدة ما وجدوه من قهر وجور، لكنها الإنقاذ ستشكل ملامح الحكومة القادمة أما صك بقاءها أو تأشيرة خروجها من خريطة البلاد السياسية. ورغم أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لا يزال – حسب أمين الاتصال السياسي به – يجري سلسلة من الاجتماعات واللقاءات السياسية المكثفة لتحديد موقفه النهائي من قضايا الدستور وهيكلة الدولة والحزب والمشاركة في السلطة والحوار مع القوي السياسية المختلفة، إلا أن موقف الأحزاب السياسية من هذه اللقاءات لا يزال طريح الفراش خاصة مع حزبي الأمة بزعامة الصادق المهدي والحزب الاتحادي الأصل بقيادة زعيمه الميرغني اللذان تتضارب أنباء مشاركتهما في الحكم يوماً بعد الآخر بين الرفض والقبول. المؤتمر الوطني من جانبه استبق الأحزاب بتشكيله خمس لجان أولاها للقضايا السياسية والدستور ولجنة للتشريعات والقوانين وأخري للأجهزة العدلية ولجنة لقضايا الاقتصاد والعدالة الاجتماعية والخدمات ولجنة لهيكلة الحكم الاتحادي والولائي ولجنة للواجهات الفكرية والثقافية والإعلامية، أوكل لها مهام وصفها بالرامية لبحث وإقرار السياسات العامة لملامح الجمهورية الثانية. ورغم أن الوطني أكد أنه لا يسعي لإقصاء بقية الأحزاب السياسية بالخطوة التي اتخذها بتشكيل لجان خاصة بالدستور ولجان لهيكلة الدولة والحزب معتبراً أنها جاءت بغرض التعجيل لتحديد موقفه النهائي لتشكيل الحكومة مع بقية القوى السياسية ليس إلا، لكنها اللجان توحي بترتيب الوطني لبيته الداخلي حول شكل الحكومة القادمة وهيكلة الدولة التي سماها ((الجمهورية الثانية)). الأمر الذي يعكس – حسب محللين – نوايا المؤتمر الوطني رسم مستقبل البلاد بعيداً عن مشاركة الأحزاب وقطاعات المجتمع فيها، ما يفسره البعض بالسبب الرئيسي حول تردد القوى السياسية بإبداء موافقتها المشاركة في الحكم وفق منهج تم رسمه مسبقاً. ورغم أن الوطني نفي ما تردد في بعض الدوائر حول عدم توصل حزبه مع الأمة القومي والاتحادي الأصل لاتفاق حول شكل المشاركة وإعداد الدستور موضحاً أن اللجان التي شكلت مع الحزبين لازالت مستمرة في النقاش والتداول في غضون أيام، إلا أن توافق الأحزاب حول المشاركة في الحكم ورسم مستقبل البلاد ظلت ولا تزال تمثل التهديد الرئيس لبناء دولة المؤسسات التي يصبو إليها الجميع. أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الدكتور محمد المهدي أكد في حديثه ((للحرة)) أن مستقبل المؤتمر الوطني في الحكم رهين بمدي التوافق الذي يمكن أن يحققه في الحكومة المقبلة ومدي انفتاحها على مطالب الشعب إضافة لمشاركة الأحزاب فيها. ويضيف المهدي أن البلاد تمر بمرحلة مفصلية وحساسة من عمرها تتوجب النزل والتسامي فوق المكاسب الشخصية أو الحزبية لوضع منهج مستقبلي لكيفية إدارة شؤون البلاد عبر مشاركة كافة مكوناته السياسية والاجتماعية فيه، لا سيما بعد انفصال الجنوب وفتحه الباب أمام خيار خطير قد تستغله القوى الخارجية لتمزيق وحدة ما تبقي من البلاد. ويمضي المهدي محذراً من سياسية الانفراد بالحكم التي يقول أنها كلفت البلاد ذهاب ثلث أراضيها إضافة للتدويل الذي جرى لقضية دارفور عالمياً عبر التهاون في حل قضيتها محذراً من تكرار ذات السيناريو بجنوب كردفان. ويري المهدي أن إشراك القوى السياسية في الحكم ولو كان على حساب حصة المؤتمر الوطني التي – يقول – انه لا ينكر أحد انه تحصل عليه بتفويض كامل من الشعب سيكون الخيار الراشد في الحكم حالياً نسبة لما وصفها بالمعطيات الخارجية والداخلية من ربيع الثورات العربية وموجة الغلاء التي تشهدها البلاد وقد يكون لها كبير الأثر في مستقبله واستقراره. على كل فان شكل الحكومة القادمة سيحدد ما ان كان المؤتمر الوطني قد وعي درس جيرانه عبر إدخاله لخبرات قومية اقتصادية وسياسية ترسم ملامح مستقبل البلد أم أن تكراره لوجوه تكررت طوال عشرون عاماً مضت من تاريخ الإنقاذ سيأجج نيراناً قد تحيل الجمهورية الثانية إلى رماد. نقلاً عن صحيفة الحرة 8/8/2011م