قلنا في الحلقة الماضية إن سببين ملتصقين بعضهما ببعض هما اللذان جعلا المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الترابي يقدم أحد قادته وهو عبدالله دينق نيال كمرشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة بديلاً للمرشح المفترض انه طبيعي زعيم الحزب. وقلنا إن السببين هما عدم جواز الجمع بين رئاسة الجهاز التنفيذي للتنظيم والترشح لرئاسة الجمهورية.. ولأن الترابي لا يشعر بضمان فوزه بالحكم الذي طالما سعى إليه - وهو صاحب اللعب على المضمون رأى أنه سيدفع ثمنًا باهظًا بعد خسارة الانتخابات هو مصير موقعه الحالي في الحزب، فهو لا يريد أن يكون راعيًا مثل علي الميرغني ونجله محمد عثمان. ولذلك كانت الفكرة التي تناسب هذا الظرف هي استثمار الأمر الواقع بصورة تجعل الثمار هي ترشيح أحد أبناء الجنوب لإرسال رسالة معينة مفهومة المضمون. وقد وصلت الرسالة، لكن السؤال بعد ذلك هل هناك حاجة ماسة إلى مثل هذه الرسالة الآن وبعد خمس سنوات من اتفاقية نيفاشا ثم السؤال لعله الأهم هو لماذا لم يسحب الترابي أحد أعضاء حزبه وهو الفاتح عابدون من دائرة الخرطوم والسجانة التي نزل فيها مرشح الحزب الشيوعي عزالدين علي عامر ومرشح أنصار السنة الدكتور يوناس بول دي مانيال؟ إن الجبهة الإسلامية بزعامة الترابي قدّمت عشرات المرشحين للجمعية التأسيسية ،رغم ذلك رفضت أن تتنازل في دائرة الخرطوم لجنوبي «مسلم».. فتشتّت أصوات الإسلاميين بين الفاتح عابدون والدكتور يوناس ولم يقل الترابي نتنازل لابن الجنوب المسلم بسحب ابن الشمال الفاتح عابدون.. وفي نفس الوقت نضمن الانتصار على مرشح الحزب الشيوعي.. لكن ما حدث هو مضايقة الجنوبي المرشح الوحيد لأنصار السنة ليفوز مرشح الحزب الشيوعي الراحل عزالدين علي عامر ونقصد بالراحل عزالدين لأن حزبه نفسه رحل وراءه وكسبت الجبهة ثلاثة وخمسين مقعدًا وساهمت في زيادة مقاعد الحزب الشيوعي إلى ثلاثة.. وخسرت جماعة أنصار السنة المحمدية أيام شيخ أبوزيد الجميلة حتى المقعد الوحيد.. ومضمون رسالة ترشيح عبدالله دينق نيال لا حاجة للثقة الجنوبية الآن بها، فالجنوب فرز عيشته وهو الآن في مناخ (ربطت) فيه غيوم الانفصال بعد أن وصل أبناؤه إلى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية وهو المنصب الذي سعى له الترابي بعد وفاة المشير الزبير محمد صالح.. وربما شجع الترابي على هذا السعي تجربة مولانا القاضي بابكر عوض الله في تقلد منصب النائب الأول للرئيس نميري في 25 مايو عام 1969م. نعم ثقة الجنوب الآن ليست في حاجة إلى رسالة المؤتمر الشعبي حتي ولو لم يكن عبدالله دينق مسلمًا.. ولكن الظرف السياسي الذي يمر به المؤتمر الشعبي خاصة بعد أن جفّت الجامعات من كوادر طلابية يوالون له، جعله يخرج بهذه الصيغة السياسية التي يراها مناسبة لوضعه الراهن، وربما لو تذكر أو استوعب أن الجنوبيين ماعادوا بعد اتفاقية نيفاشا في حاجة إلى مثل هذه الرسائل الرائعة، لقاطع الانتخابات وهو الموقف الذي يمكن أن يصنع منه سلاحًا سياسيًا ينازل به في الساحة ويكسب مزيدًا من الأسهم.. لكن دائمًا تبقى العقلية الانتقامية عائقًا كبيرًا وعقبة كؤود أمام التفكير والأفكار التي تأتي بثمار سياسية ملموسة.. وكان منذ قرارات الرابع من رمضان أمام الترابي ألا يتحرك في الساحة بروح انتقامية حتى لا يلتمس له الناس العذر مثلما قال الراحل جون قرنق، قال .. «الترابي غاضب وأنا غير مستعد للتعاون مع غضبه» إذن لا بأس من أن يكون مرشح حزب المؤتمر الشعبي هو عبدالله دينق نيال بعد أن كان قبل أربعة وعشرين عامًا مرشح أنصار السنة الوحيد هو الدكتور يوناس بول، ولامانع من أن يشارك المؤتمر الشعبي في الانتخابات القادمة.. ولا توجد مشكلة في أن يحافظ الترابي على موقعه التنظيمي الحالي برفض الترشح في انتخابات يعلم خسارته فيها وهو صاحب اللعب على المضمون وعدوته الأولى (الانتخابات) التي خسرها عام 1965 في الجزيرة وعام 1985 في الصحافة وجبرة.. لكن لا ينبغي أن يعتبر المؤتمر الشعبي كما قال أحد منسوبيه أن ترشيح عبدالله دينق رسالة إلى الجنوبيين فهم ما عادوا في حاجة إليها. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 5/1/2010م