صحيفة الرائد 27 اغسطس 2011 : تقرير محمد الناير يُجرى الإعداد حالياً لوضع مقترحات الموازنة العامة للدولة لعام (2012م) وقد بدأت انطلاقة إعداد المقترحات بإجازة مجلس الوزراء لموجهات الموازنة الخميس الماضي، وتشكل موازنة العام القادم أهمية قصوى في ظل المتغيّرات المحلية والعالمية الراهنة فعلى المستوى المحلي نجد أن العام القادم هو العام الأول للخطة الخمسية الثانية (2012- 2016م) من عمر الإستراتيجية الربع قرنية (2007- 2031م) كما أن هذا العام يعتبر العام الأول بعد انفصال الجنوب مما يقتضي إجراء تعديلات جوهرية على هيكل الموازنة استكمالاً للتعديلات التي أُجريت على موازنة العام الحالي ومن المؤكد سيتغيّر تبويب الموازنة من (4 إلى 3) أبواب حيث يتضمن الباب الأول تعويضات العاملين، والباب الثاني الذي كان مخصصاً لتحويلات حكومة الجنوب قبل الانفصال سيُخصص لتحويلات الولايات الشمالية على أن يكون الباب الثالث للمشروعات التنموية، كما سيشهد العام القادم تغيّراً كبيراً في هيكل الموارد المالية وعلى المستوى العالمي قد يشهد هذا العام تزايداً في معدلات تأثير أزمة الدين العام الأمريكي وتخفيض التصنيف الائتماني على كل دول العالم بنسب متفاوتة حسب ارتباط كل دولة بالاقتصاد الأمريكي، وفي هذا المقال نُحاول رسم صورة تقريبية لما يجب أن تكون عليه موازنة العام القادم. المرحلة تتطلّب إعداد موازنة شاملة وليست اتحادية لقد بلغ الحجم الكلي لاعتمادات الإنفاق بموازنة العام الحالي المعدلة (26,7) مليار جنيه فيما بلغت تقديرات الإيرادات (23,2) مليار جنيه بعجز يبلغ (3,5) مليار جنيه، علماً بأن الموازنة الحالية تضمنت مرحلتين المرحلة الأولى من يناير حتى يونيو استندت على قسمة الموارد وفقاً لاتفاقية نيفاشا، أما الفترة من يوليو حتى ديسمبر القادم فقد اعتمدت على إمكانات وقدرات السودان بحدوده الجغرافية الجديدة بعد انفصال الجنوب، واستناداً على مؤشرات موازنة العام الحالي يتوقّع أن يكون الحجم الكلي (إجمالي اعتمادات الإنفاق العام) لموازنة العام القادم حوالي (23) مليار جنيه فيما يتوقّع أن يكون الحجم الكلي للإيرادات الذاتية في حدود (19) مليار جنيه والعجز المتوقّع يبلغ (4) مليارات جنيه هذا في ظل الطريقة التي تعد بها الموازنة خلال السنوات السابقة والتي تعتمد على إعداد موازنة اتحادية متضمنة دعماً ولائياً، وهذا يعتبر خطأ كبيراً ولا يعبّر عن الموازنة العامة للدولة بكافة مستوياتها لذلك لابدّ من تعديل الطريقة التي تعد بها الموازنة العامة للدولة بأن تشمل كل السودان (الحكومة المركزية والولايات) ولا توجد صعوبة في ذلك حيث إن الموازنة العامة للدولة كانت تُعد بهذه الطريقة حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي وتعتمد هذه الطريقة على أن تكون الولايات فرق عمل لمساعدة المحليات في إعداد الموازنات وتحديد حجم العجز الفعلي بموازناتها وأن يكون في مقدور الولاية سد هذا العجز ثم تكون وزارة المالية (15) فريق عمل لمساعدة الولايات في إعداد موازناتها وتحديد الحجم الفعلي للعجز، وأن يكون متوافقاً مع قدرة الحكومة الاتحادية على سد هذا العجز لأن الحكومة الاتحادية تمتلك أدوات سد العجز بالموازنة والتي تشمل الاستدانة من النظام المصرفي وطرح المزيد من الإصدارات الحكومية بالإضافة إلى القروض والمنح في حين أن المحليات والولايات لا تمتلك مثل هذه الأدوات، وإذا تم إعداد الموازنة للعام القادم بهذه الطريقة يمكن أن تعادل الموازنة القادمة الموازنة الحالية المعدلة من حيث حجم الإنفاق والإيرادات بعد أن تشمل موازنات ال(15) ولاية ضمن الموازنة العامة للدولة كما يجب أن ترسل الولايات تقارير دورية (شهرية، ربع سنوية، نصف سنوية، سنوية) للحكومة الاتحادية وهذه التقارير تعتبر من أهم مهام المجلس الأعلى للحكم اللامركزي، ولكن هذا الدور ظل غائباً خلال السنوات الماضية وتحديداً تقارير الأداء المالي. إعلان تشكيل الحكومة يُساعد في وضع تقديرات الموازنة بدقة لكي يتم إعداد الموازنة بشكلٍ دقيق لابدّ من تعجيل إصدار القرارات الخاصة بتشكيل الحكومة على مستوى المركز والوزراء الولائيين لكي يتضح شكل وهيكل الحكم ويحدد عدد الوزارات بالمركز والولايات قبل إعداد الموازنة لأن تخفيض هياكل الحكم سينعكس إيجابياً في تخفيض الحجم الكلي لاعتمادات الإنفاق، كما أن برنامج إصلاح الخدمة المدنية من شأنه أن يعظم من قيمة الوقت والعمل وزيادة معدلات ساعات العمل الفعلية وترشيد الإنفاق العام والتوظيف الأمثل للموارد لذلك لابدّ من الإسراع في عملية إصلاح الخدمة المدنية ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب كما يجب أن تخلوا الموازنة القادمة من أي أعباء ضريبية إضافية مع خلق وفرة في كل السلع الضرورية لاستقرار أسعارها تخفيفاً للعبء على المواطن، كما أن استقرار سعر الصرف والسيطرة على معدل التضخم عاملان مهمان في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية لذلك يجب إعادة النظر في معدل التضخم المحدد بأقل من (17%) وإتباع كل السياسات الممكنة لتخفيضه إلى أقل من (12%) خلال العام القادم كمرحلة أولى. بالنسبة لبرامج النهضة الزراعية وسياسة تشجيع الصادرات غير البترولية وإحلال الواردات كل هذه البرامج قد لا تظهر نتائجها بصورة واضحة خلال العام القادم لأن تنفيذ مثل هذه البرامج يكون في المدى المتوسط والبعيد ولا تظهر نتائجه في المدى القصير، ولكن هناك بعض الموارد من الممكن تعظيم الفائدة منها بصورة سريعة مثل الذهب الذي أصبح يقترب من الألفي دولار للأونصة بسبب مخاوف تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدةالأمريكية والسودان أصبح منتجاً للذهب وبكميات مقدرة فقط الأمر يحتاج إلى زيادة المساحات الممنوحة للتعدين المنظم وتقليل المساحات المتاحة للتعدين الأهلي (التقليدي) بصورة تدريجية لأن التعدين المنظم يُقلل من حجم تهريب الذهب للخارج، كما يرفد البلاد بالعملات الأجنبية من خلال حصيلة الصادرات ويدعم إيرادات الموازنة غير البترولية بمقابل حصيلة الصادر لنصيب الحكومة من الذهب بالعملة المحلية، وبذلك يكون الذهب في ظل قطاع التعدين المنظم قد قام بالدور الذي كان يلعبه البترول قبل التاسع من يوليو، كما توجد ضرورة للتوصل إلى اتفاق عاجل حول قيمة إيجار خطوط الأنابيب واستخدام ميناء الصادر لتصدير نفط الجنوب وكذلك قيمة إيجار المصافي لتكرير البترول لمقابلة احتياجات السوق المحلي بدولة ولابدّ من معرفة شكل الاتفاق في وقتٍ مبكر حتى تتضح الرؤية ويتم وضع تقديرات الموازنة بموجب الاتفاقية لأن خيار حصول السودان على نسبة من بترول الجنوب مقابل استخدام البنى التحتية الخاصة بقطاع النفط بالشمال يختلف عن خيار الحصول على مبلغ محدد بالعملة الأجنبية عن كل برميل صادر لأن الخيار الأول سيمكن السودان من تصدير البترول وتحقيق عائدات صادر مقدرة تُؤدي إلى تخفيض حجم العجز المتوقّع في الميزان التجاري، كما يدعم إيرادات الموازنة البترولية بالمقابل من العملة المحلية، كما أن هذا الخيار يُحقق فوائد كبيرة في حالة زيادة أسعار النفط ويقل العائد منه إذا تراجعت أسعار النفط عالمياً، وهذا الخيار ترفضه حكومة الجنوب حتى الآن، أما الخيار الثاني فيدعم ميزان المدفوعات من خلال قيمة إيجار البنى التحتية بالعُملات الأجنبية ويدعم كذلك الإيرادات البترولية بالموازنة ولكنه لا يدعم الميزان التجاري وهناك طريق ثالث طرحته حكومة الجنوب مؤخراً يقضي ببيع البترول خام بمواقع الإنتاج لشركات البترول، وهذا الخيار يشبه إلى حد كبير الخيار الثاني مع اختلاف قيمة الإيجار التي قد تمنح للشركات التي ستتولى عملية تصدير النفط المنتج بالجنوب.