من المؤكد ان العقيد القذافي الذى تلاحقه حالياً كتائب الثوار الليبيين و يهرب ويتخفَّي منها فى مسعي لإنقاذ نفسه على الأقل من مصير مذل ومحتوم لم يكن يضعه ضمن حساباته السياسية - حتى قبل أشهر قلائل- أنه سيصبح أثراً بعد عين، فالرجل على كثرة الصفات والمسميات التى أطلقها على نفسه من قائد أممي الى أمين للقومية العربية الى زعيم إفريقي وزعيم تاريخي وطفق وفقاً لصفاته هذه فى دعم اى قلاقل او حركات مسلحة فى أرجاء واسعة من العالم ، أطلق لنفسه العنان ولسلطاته وماله ليعبث بالأمن القومي السوداني لعقود مضت ما بين دعم للحركة الشعبية فى العام 1983 فى عهد الرئيس الراحل نميري وما بين دعمه اللا محدود حتى الآن - قبل سقوطه - للحركات الدارفورية المسلحة وكلنا يعرف ان الرجل استضاف مؤخراً حركة الدكتور خليل ، بل ورط خليل و ورّط بعض من حركة مناوي فى المستنقع الليبي، حيث لم يعد لهاتين الحركتين من فكاك جراء وجودهما رسمياً فى طرابلس بعلم الكافة . ولعل ابلغ درس وعظة سياسية لمسناها فى هذا الصدد ان كل حامل سلاح سوداني ان كان وطنياً حقاً وحامل لقضية وطنية عادلة و يديه نظيفتين، فان عليه ان يعتمد على قوة حقه وقوته الذاتية و مبادئه التى يرتكز عليها (ان وجدت) . فقد انطوت الآن بانطواء صفحات حقبة القذافي صفحات سوداء قاتمة جعلت من إقليم دارفور مسرحاً مفتوحاً للعبث الأمني ويكفي ان نعلم فى هذا الصدد ان اكثر من نصف مليار دولار (500 مليون دولار) صرفها القذافي على الحركات الدرافورية المسلحة لزعزعة استقرار السودان وتهديد أمنه وكان القذافي يفعل ذلك دون ان يطرف له جفن، وكانت القوى الدارفورية المسلحة تستغرب هذا الدعم الليبي وتجد فيه لذة ، فهو بلا حدود و لكن – لسخريات القدر – لم يحقق هذا الدعم على كثرته وتدفقه كما الشلالات أدني هدف سواء للرجل الذي بات ملاحقاً ليبياً ودولياً او الحركات الدارفورية المسلحة التي إذا حالفها الحظ فقط ان تنجح فى الهرب والفرار من بين أيدي الثوار . المهم الآن بالنسبة لما جري فى ليبيا هو انغلاق آخر المعاقل التى كانت تدعم حركات دارفور ، بعدما انغلقت من قبل معاقل تشاد، و هذا التطور يشي بأن الأوضاع ستمضي باتجاه أفضل بالنسبة لأمن دارفور خاصة وان السلطات السودانية قطعت بأنها اتخذت تدابير شديدة الإحكام الآن فى ظل التطورات فى ليبيا بأن صنبوراً من الدعم اللوجستي قد انغلق ذاتياً بحيث بات من الصعب – مهما آلت إليه الأوضاع فى ليبيا – ان ينفتح هذا الصنبور، ومن ثم فان الحركات الدارفورية المسلحة فى حاجة الى تفكير سياسي واقعي ربما لأول مرة فى تاريخها واضعة فى اعتبارها ان سنن التاريخ وسطوره جديرة باعتبار و أنه دائماً لا تمضي الأمور وفق الرغبات والأمنيات !