لم يقف خطأ الحركة الشعبية بإشعالها لحرب أخري جديدة فى النيل الازرق علاوة على الحرب التي أشعلتها قبل اقل من ثلاثة أشهر فى السادس من يونيو الماضي بجنوب كردفان عند حد تكرار ذات الخطأ الفادح وهي قدح زناد الحرب بلا أسباب ولا مبررات موضوعية وإيذاء أمن واستقرار مواطني الولايتين بما أثار استياء مواطنيها. الخطأ الفادح تجاوز ذلك ليصبح بمثابة انتحار سياسي وعسكري بكل ما تعنيه الكلمة. ولعل ابرز قاسم مشترك يمكن ان نلاحظه بوضوح فى الحالتين - حالة جنوب كردفان وحالة النيل الازرق- ان القادة المتمردين سواء مجتمعين او كل على حدا، وضعا خططاً للحرب قبل إشعالها، وهذا كان يقتضي ان يمضيا فى ما قرراه وما وضعاه من خطط الى آخر الشوط بحيث يصبح الهرب والفرار هو آخر ما يتم اللجوء إليه. غير ان الامر لم يكن كذلك، ففي الحالتين كان فرار القادة وهروبهما واستنجادهما بجهات خارجية (حكومة الجنوب بالنسبة للمتمرد الحلو والأمم المتحدة بالنسبة لعقار) هو أول ما تم تنفيذه لتنتهي وتتداعي الخطة فى مهدها. ففي حالة المتمرد الحلو تم العثور وقتها على الخطة العسكرية الكاملة لإشعال الموقف وتصفية المسئولين الحكوميين ثم الاستيلاء على الولاية ومن ثم السعي لإسقاط السلطة القائمة فى الخرطوم. الخطة كما نُشر وأذيع فى حينه تم العثور عليها فى منزل الحلو وهى على الورق و تم تدعيم صدقيتها عبر إفادات عدد من الشهود والقادة الذين وقعوا فى قبضة السلطات الحكومية . بالنسبة للمتمرد عقار فقد تأكد أنه هو الآخر ايضاً كانت لديه خطة وإن لم يُعثر عليها مكتوبة حتى الآن ولكن راجت أنباء قوية عن تصفية القيادي على البندر نائب عقار نسبة لما قيل أنه افشي تفاصيل الخطة قبل تنفيذها وقبل ساعة الصفر. إذن هنالك خطة وهنالك من أنيط بهم تنفيذها ولهذا فان السؤال يظل شديد الإلحاح على الأذهان، لماذا إذن درج هؤلاء القادة على البحث عن وسيلة هروب سريعة الى الخارج بمجرد دوران عجلة الحرب ؟ من المؤكد ان الامر يتصل بفقدان هؤلاء القادة الثقة فى قدراتهم وفي من حولهم من معاونيهم والاهم من ذلك إدراكهم المتأخر جداً- و بعد فوات الأوان - أن الحكومة التى يحيكون ضدها هذه الخطط أذكي وأكثر يقظة من أن يأخذونها على حين غرة. خلاصة هذا التوصيف المؤسف والمحزن ان الحركة وبعد مضي أشهر من خطأ ما جري فى جنوب كردفان حيث فشلت الخطة منذ الوهلة الأولي وهرب القادة وأصبحوا طرائد للجيش الحكومي، عادت وكررت ذات السيناريو بذات القدر من عدم الإدراك والاستهتار لتكن النتيجة ان الحركة فقدت و ربما الى الأبد الوزن السياسي – على تواضعه – فى الساحة السياسية السودانية، وفقدت مكسب توليها لولاية النيل الازرق، بعد ما فقدت شراكتها فى جنوب كردفان، وخسرت عسكرياً لأنها حصرت نفسها الآن فى زاوية حرجة وظهرها الى إثيوبيا التى لن تغامر مهما كانت المغريات للدخول فى متاهة كهذه. ان قادة الحركة برعوا فى هذه الخبرة العسكرية المدهشة؛ إشعال الحرب ثم الهرب !