تحليل سياسي ربما بدت حكومة جمهورية جنوب السودان غبر عابئة كثيراً بما قد يجره عليها عبثها الأمني الذى لم يعد سراً بالأمن القومي السوداني، إذ انه وعلى كثرة الأدلة والحوادث الموثقة التى فضحت هذا العبث إلاّ ان قادة جنوب السودان يتعاملون مع الامر بقدر غير قليل من الاستهانة واللامبالاة ربما اعتقاداً منهم ان الامر يجري ضمن سياق مخطط أكبر تدعمه قوي دولية كبري ، أو أن من شأن هذا السلوك ان يشكل ضغطاً شديد الوطأة على الحكومة السودانية فتسارع لتقديم تنازلات لصالح جمهورية الجنوب فيما يخص القضايا العالقة المتمثلة فى قضية أبيي المتنازع عليها وقضية تصدير النفط، وقضايا الحدود وغيرها. بل لا نغالي ان قلنا ان حكومة جنوب السودان ليس من المستبعد ان يكون أحد دوافعها لهذا العبث – ضمن بقية الدوافع التى اشرنا إليها أعلاه – تسعي للانتقام من السودان ونقل كافة أشكال الإختلالات الأمنية وعدم الاستقرار اليه بعدما كانت الحرب الطويلة التى جرت بين الطرفين فى السابق وطوال عقود مضت مسرحها الجنوب وحده. هذه الفرضية للأسف الشديد حاضرة بقوة فى أذهان العديد من قادة الحركة الشعبية فى جنوب السودان عبروا عنها فى مواقف مختلفة قبل إجراء استفتاء الجنوب وانفصاله وقد سبق للأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم فى تصريحات موثقة ان قال ان حركته عملت على استجلاب أرتال من الأسلحة الثقيلة بكافة الأشكال تمهيداً لحرب قادمة وصفها بأنها محتومة بين الشمال والجنوب سيكون مسرحها شمال السودان لإلحاق اكبر قد من الأضرار به ولإثبات تفوق الجنوب على الشمال . هذه كلها وقائع وحقائق مثبتة موثقة يُستشف منها بوضوح ان جمهورية جنوب السودان لن يكون لديها شغل فى الفترة الحالية والمقبلة سوي زعزعة اكبر قدر من استقرار السودان وأمنه . غير ان السؤال الذى يفرض نفسه بشدة فى هذا المنحي هو هل حسبت حكومة الجنوب حسابات هذا العمل الباهظ التكلفة واستعدت لاحتمال أعباء نتائجه؟ نصيغ هذا السؤال ونضعه كذلك لأن أى تدخل بهذا الأسلوب من جانب اى دولة فى شأن داخلي لأي دولة أخري له ثمنه وله تداعياته، بل حتى تدخل الدول الكبري التى تملك قوى لا يستهان بها أثبتت وقائع التاريخ انه باهظ الثمن ناهيك عن تدخل دولة وليدة لم تشب عن الطوق بعد وعمرها لا يتعدي الأسابيع فى شأن الدولة الأم ، فإذا نسيت حكومة جنوب السودان النموذج الارتري الإثيوبي ونموذج اليمن الشمالي والجنوبي ، فان حقائق التاريخ فى الغالب وان لم تتكرر لكنها لا تخلو من التماثل والتشابه و أحياناً التطابق، كما ان حكومة جنوب السودان نسيت فيما يبدو التمرد الخطير الذي يقوده الجنرال أطور وبقية الضباط الآخرين والذين أكدوا – وكانوا جزءاً من الجيش الشعبي – ان بوسعهم تغيير المعادلة فى الجنوب واجتياح جوبا فى أيام. حكومة جنوب السودان بيتها ليس من زجاج هش غير قادر على الصمود فحسب، ولكنها لا تملك بعد البيت نفسه، سواء كان من زجاج أم من ورق !