تحليل سياسي رئيسي غريب حقاً أمر القوى المعارضة السودانية، فهي تقرّ صراحة وعلى الملأ بأنها ضعيفة وقليلة حيلة، وفقاً لما أكده رئيس المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ فى ندوة السبت الماضي بدار حزب الأمة بأم درمان و لم يعقب عليه أحد من بقية قادة المعارضة، كما لم يخالفه فى الرأي أحد بما يشير الى ان هذه الحقيقة فيما يبدو هى الثابت الوحيد المتفق حوله فيما بينها، ومع إقرار قوي المعارضة السودانية بضعفها فهي فى ذات الوقت تتضايق للغاية وتتذمر من القوى السياسية التى تحاور المؤتمر الوطني الحاكم وتسعي للتوصل معه لحلول، ويلاحظ فى هذا الصدد ان حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي يواجه سيلاً من الهجوم والنقد من قبل هذه القوى لمجرد دخوله فى حوار عميق، ومتطاول مع الحزب الوطني، وتشير كافة التقديرات والتوقعات انه ربما أفضي الى حلول. الملاحظة الجديرة بالتأمل فى هذا المنحي ان حزب الأمة – أياً كانت المآخذ علي إستراتيجيته وتكتيكاته – إلا أنه على أية حال يتحلي بقدر معقول من الواقعية السياسية أقلها أنه يدرك ان السياسة دائماً هى فن الممكن، وهو بهذا الإدراك لا يقطع صلاته ولا يغلق أبوابه و منافذه مع الآخرين، وهى شهادة لا ينكرها ألا مكابر، وهو الحزب الذى ظل يتقدم مسيرة القوى المعارضة والغريب ان ذات هذه القوى المعارضة هى التى تقدمه فى أحيان كثيرة وتمنحه تفويضاً طليقاً، بل حدث قبل أشهر فى العام السابق ان قامت قوي المعارضة بتكليف زعيم الحزب الصادق المهدي بالتقاء الحزب الوطني والتحاور معه، ولمّا شرع فى ذلك قالت أنها لم تكلفه بمناقشة قضية المشاركة! وكان الامر المثير للغرابة هنا هو إذن على ماذا كان المهدي يتحاور مع الوطني؟ لعل لدي قوي المعارضة – بضعفها البيِّن الذى تعترف به صراحة – أوراقاً مؤثرة تجعل الوطني يخلع لها ثوب شرعيته الانتخابية ويسلمها السلطة. ان مكمن الازمة هنا حتى لو نزعنا عن الوطني اى مشروعية سياسية ان هذه القوى المعارضة طالما أنها تدرك درجة ضعفها وقلة حيلتها فهي ليست مؤهلة بقيادة بلد مترامي الأطراف متداخل المشاكل والقضايا مثل السودان، ولعل أكثر ما يحزّ فى النفس ويؤلم العديد من المراقبين ان قوى المعارضة تستهتر وتستهين بما يفعله حملة السلاح والمتمردون بصفة عامة سواء فى دارفور أو جنوب كردفان او النيل الازرق ، فهي حتى الآن تقف موقفاً يصب فى (خانة التشجيع) لهؤلاء المتمردين مع أن خطورة هذا المسلك الغائب عن ذهن القوى المعارضة هو ان المستقبل سيكون لسياسة السلاح، ومن ثم فهي نفسها تصبح – بضعفها هذا – لقمة سائغة وضحية أولي لهذه الممارسة . ان أحداً لا يطلب من قوى المعارضة التخلي عن رؤاها ومواقفها فهي حرة فيها طالما أن هناك مناخ ديمقراطي قائم، ولكن بالمقابل لا أحد يقبل منها تحت زعم انتمائها لجماهير سودانية ان تحاول عرقلة الحوار الوطني من جهة، والتحول الى محلل سياسي لممارسة المتمردين وحملة السلاح لتبرير تمردهم وتشجيعهم ؛ فالتمرد عمل موجه ضد كيان الدولة بما فى ذلك شعبها وثرواتها ومواردها وليس موجهاً ضد السلطة القائمة ، ولو ظلت هذه القوى المعارضة على مواقفها هذه فهي فاقدة للمستقبل تماماً كما فقدت من قبل الماضي والحاضر الماثل !